لبيان القدرة والتمدح بها وتعجب السامعين منها، وما يمشي بغير آلة أعجب مما يمشي بآلة فلذلك اقتضت البلاغة تقديمه، ثم ثنى بالأفضل فالأفضل فأتى بما يمشي على رجلين وهو الإنسان والطائر لتمام خلق الإنسان وكمال حسن صورته وهيئته وجمال تقويمه المقتضي تخصيصه بالعقل ولما في الطائر من عجب الطيران في الهواء الدال على غاية الخفة ونهاية اللطف مع ما فيه من كثافة، وثلث بما يمشي على أربع لأنه أحسن الحيوان البهيم وأقواه تغليبا على ما يمشي على أكثر من أربع من الحشرات فاستوعبت جميع الاقسام، وأحسن الترتيب بالإضافة الى الترتيب والاشارة والارداف وحسن النسق.
و عرفه صاحب العمدة بأنه أن يستوفي الشاعر شرح ما بدأ به مجملا، وقلما يجي ء هذا إلا في أكثر من بيت واحد ومثل له ببيتين للفرزدق وهما :
لقد جئت قوما لو لجأت إليهم طريد دم أو حاملا ثقل مغرم
لألفيت منهم معطيا ومطاعنا وراءك شزرا بالوشيح المقوم
و اشترط صاحب العمدة سلامته من سوء التضمين قال : ومن جيد التفسير قول حاتم الطائي ويروى لعتيبة بن مرداس :
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ٦٣٣
متى ما يجى ء يوما الى المال وارثي يجد جمع كف غير ملأى ولا صفر
يجد فرسا مثل العنان وصارما حساما إذا ما هزّ لم يرض لهبر
و أسمر خطيا كأن كعوبه نوى القسب قد أربى ذراعا على العشر
فهذا هو التفسير الصحيح السالم من التضمين لأنه لم يعلق كلامه ب « لو » كما فعل الفرزدق ومثله قول عروة بن الورد :
و إن امرأ يرجو تراثي وإن ما يصير له منه غدا لقليل
و مالي مال غير درع ومغفر وأبيض من ماء الحديد صقيل
و أسمر خطيّ القناة مثقّف وأجرد عريان السراة طويل
هكذا أنشدوه بالاقواء ويجوز أن يرفع على القطع والإضمار كأنه قال : هو صقيل، أو قال : ولي أبيض من ماء الحديد يعني سيفه.
و قال ذو الرمة في التفسير :
و ليل كجلباب العروس ادّرعته بأربعة والشخص في العين واحد


الصفحة التالية
Icon