في قوله تعالى :« غير متبرجات بزينة » فن يطلق عليه بعض علماء البيان اسم عكس الظاهر وبعضهم يسميه نفي الشي ء بايجابه وقد سبقت الاشارة اليه في كتابنا وهو من محاسن الكلام فإذا تأملته وجدت باطنه نفيا وظاهره إيجابا، أو أن تذكر كلاما يدل ظاهره على أنه نفي لصفة موصوف وهو نفي للموصوف أصلا ومن أهم أبياته قول امرئ القيس :
على لاحب لا يهتدى بمناره إذا سافه العود النباطي جرجرا
فاللاحب هو الطريق الواضح والمنار هو العلامة توضع على الطريق للهداية وفي الحديث « إن للدين صوى ومنارا كمنار الطريق »
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ٦٥٤
و سافه شمه والعود المسن من الإبل والنباطي : الضخم وجرجر رغا وضج وأخرج جرته فقوله « لا يهتدى بمناره » لم يرد أن له منارا لا يهتدى به ولكن أراد أنه لا منار له فيهتدى بذلك المنار.
و كذلك المراد هنا والقواعد من النساء اللاتي لا زينة لهن فيتبرجن بها لأن الكلام فيمن هي بهذه المثابة، وكأن الغرض من ذلك أن هؤلاء استعفافهن عن وضع الثياب خير لهن فما ظنك بذوات الزينة من الثياب، وأبلغ ما في ذلك أنه جعل عدم وضع الثياب في حق القواعد من الاستعفاف إيذانا بأن وضع الثياب لا مدخل له في العفة، هذا في القواعد فكيف بالكواعب؟!.
٢- الإيضاح :
و في قوله « و لا على أنفسكم الآية » فن الإيضاح وهو أن يذكر المتكلم كلاما في ظاهره لبس ثم يوضحه في بقية كلامه، والإشكال الذي يحله الإيضاح يكون في معاني البديع من الألفاظ وفي اعرابها ومعاني النفس دون الفنون، وقد سبق ذكره في هذا الكتاب، وهنا في هذه الآية ترد على ظاهرها أسئلة أولها : ما الفائدة في الاخبار برفع الجناح عمن أكل من بيته؟ وكيف يظن أن على من أكل من بيته جناحا؟
و ثانيها : لم يذكر بيوت الأولاد كما ذكر بيوت غيرهم من الأقارب القريبة؟