و أما سر التسوية بين الصديق وبين هؤلاء الأقارب فهو تعريف حق الصديق الذي ساوى باطنه ظاهره في اخلاص المودة، ولا يسمى صديقا حتى يكون كذلك، فإن اشتقاق اسمه من صدق المحبة وصفاء المودة وهو الذي أشار اليه سبحانه بقوله « و لا صديق حميم » فإذا كان الصديق بهذه المثابة وعلى هذه الصفة ساوى هذه القرابة القريبة فليس على الإنسان جناح إذا تصرف في ماله تصرفه في مال نفسه.
فنون أخرى في الآية الكريمة :
هذا وقد اشتملت هذه الآية الكريمة بعض إيضاح هذه الإشكالات على تسعة أضرب من فنون البديع ندرجها فيما يلي مع التلخيص والاختصار :
آ- صحة التقسيم : وذلك لاستيعاب الكلام جميع أقسام الأقارب القريبة بحيث لم يغادر منها شيئا.
ب- التهذيب : وذلك في انتقال الكلام على مقتضى البلاغة في هذا المكان، فإن مقتضى البلاغة تقديم الأقرب فالأقرب كما جاء فيها.
ج- حسن النسق : وذلك في اختياره « أو » لعطف الجمل وهي تدل على الإباحة.
د- الكناية : فقد كنى سبحانه عن الأموال بالبيوت التي هي حرز الأموال ومقرها من باب تسمية الشي ء بما جاوره، كقولهم : سال الميزاب وجرى النهر.
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ٦٥٧
ه- المناسبة : وذلك بمناسبة الألفاظ بعضها ببعض في الزنة وهي واضحة في لفظة آبائكم وإخوانكم وأعمامكم وأخوالكم.
و- المثل : وذلك في قوله :« ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا وأشتاتا » خرج مخرج المثل السائر الذي يصح أن يتمثل به في كل واقعة تشبه واقعته.
ز- التذييل : فإن الكلام الذي خرج مخرج المثل جاء تذييلا لمعنى الكلام المتقدم لقصد توكيده وتقريره.
ح- المطابقة : وذلك في قوله « جميعا أو أشتاتا » فإن هاتين اللفظتين تضادتا تضادا أوجب لهما وصفها بالمطابقة لأن المعنى جميعا أو متفرقا.
ط- المقارنة : وذلك في موضعين : أحدهما اقتران التمثيل بالتذييل كما تقدم بيانه، والثاني اقتران المطابقة بالتمكين فإن فاصلة هذا الكلام في غاية التمكين.
الفوائد :