هذا وقد رمق الشعراء سماء هذه التعابير البليغة مما يدخل في باب حسن الاتباع، وهو أن يأتي المتكلم الى معنى اخترعه غيره فيحسن اتباعه فيه بحيث يستحقه ويحكم له به دون الاول، وهذا الباب مما يخص كلام المخلوقين ومما أخذ بعضهم من بعض ولا مدخل لشي ء من القرآن العزيز فيه فإن القرآن متبع لا مبتع إلا أن الشعراء حين يرمقون سماءه ويحسنون اتباعه صار كأنه داخل في سلك هذا الفن فقال الفرزدق :
يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
فأسند أفعال من يعقل الى مالا يعقل وجرى على منواله أبو تمام فقال :
لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه لخرّ يلثم منه موطى ء القدم
و حذا البحتري حذو أبي تمام فقال :
فلو أن مشتاقا تكلف فوق ما في وسعه لسعى إليك المنبر
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ٦٧٥
و اتبع المتنبي البحتري في ذلك فقال :
لو تعقل الشجر التي قابلتها مدّت محيية إليك الأغصنا
و هذا باب واسع سيأتي الكثير من أمثاله.
الفوائد :
فعل الشرط والجواب :
لا يشترط في الشرط والجواب أن يكونا من نوع واحد بل تارة :
١- يكونان مضارعين نحو « و إن تعودوا نعد » ٢- يكونان ماضيين نحو « و إن عدتم عدنا ».
٣- يكونان مختلفين ماضيا فمضارعا نحو « من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه » وانما حسن ذلك لأن الاعتماد في المعنى على خبر كان وهو مضارع فكأنه قال : من يرد نزد له.
٤- يكونان عكسه مضارعا فماضيا وهو قليل، وخصه بعضهم بالشعر وورد منه في الحديث قوله صلى اللّه عليه وسلم « من يقم ليلة القدر احتسابا غفر له » رواه البخاري.
هذا وإذا وقع فعل الشرط ماضيا جاز في جزائه الجزم والرفع كقول زهير :
و إن أتاه خليل يوم مسغبة يقول لا غائب مالي ولا حرم
إعراب القرآن وبيانه، ج ٦، ص : ٦٧٦