فإنه قدم الخلق الذي يجب تقديم الاعتداد به من الخالق على المخلوق واعتراف المخلوق بنعمته، فإنه أول نعمة، وفي إقرار المخلوق بنعمة الإيجاد من العدم إقراره بقدرة الخالق على الإيجاد والاختراع وحكمته، ثم ثنى بنعمة الهداية التي هي أولى بالتقديم بعد نعمة الإيجاد
إعراب القرآن وبيانه، ج ٧، ص : ٩٢
من سائر النعم، ثم تلّث بالاطعام والاسقاء اللذين هما مادة الحياة وبهما من اللّه استمرار البقاء إلى الأجل المحتوم، وذكر المرض وأسنده إلى نفسه أدبا، كما قلنا، مع ربه، ثم أعقب ذكر المرض بذكر الشفاء مسندا ذلك الى ربه، ثم ذكر الإماتة مسندا فعلها الى ربه لتكميل المدح بالقدرة المطلقة على كل شي ء من الإيجاد والإعدام، ثم أردف ذكر الموت بذكر الإحياء بعد الموت وفيه مع الإقرار بهذه النعمة والاعتراف بالقدرة والايمان بالبعث، وكل هذه المعاني جمل ألفاظها معطوف بعضها على بعض بحروف ملائمة لمعاني الجمل المعطوفة كما تقدم.
د- صحة التقسيم :
فقد استوعبت هذه الآيات أقسام النعم الدنيوية والأخروية من الخلق والهداية والإطعام والاسقاء والمرض والشفاء والموت والحياة والايمان بالبعث وغفران الذنب.
٥- التخلص :
و هو فن عجيب يأخذ مؤلف الكلام في معنى من المعاني فبينا هو فيه إذ أخذ في معنى غيره آخر وجعل الأول سببا اليه فيكون بعضه آخذا برقاب بعض من غير أن يقطع كلامه بل يكون جميع كلامه كأنما أفرغ إفراغا، فمما جاء من التخليص هذه الآية التي تسكر العقول وتسحر الألباب، ألا ترى ما أحسن ما رتب إبراهيم كلامه مع المشركين حين سألهم أولا عما يعبدون، سؤال مقرر لا سؤال مستفهم، ثم أنحى على آلهتهم باللائمة فأبطل أمرها بأنها لا تضر ولا تنفع ولا تعي ولا تسمع، وعلى تقليد آبائهم الأقدمين فكسره وأخرجه من أن يكون شبهة فضلا عن أن يكون حجة، ثم أراد الخروج من ذلك الى ذكر اب القرآن وبيانه، ج ٧، ص : ٩٣