و قال صاحب العمدة :« و كلام العرب نوعان : منظوم ومنثور، ولكل منهما ثلاث طبقات : جيدة ومتوسطة ورديئة، فإذا اتفق الطبقتان في القدر وتساوتا في القيمة ولم يكن لإحداهما فضل على الأخرى كان الحكم للشعر ظاهرا في التسمية لأن كل منظوم أحسن من كل منثور من جنسه في معترف العادة، ألا ترى أن الدر، وهو أخو اللفظ ونسيبه، إليه يقاس وبه يشبه، إذا كان منثورا لم يؤمن عليه ولم ينتفع به في الباب الذي له كسب ومن أجله انتخب، وإن كان أعلى قدرا وأغلى ثمنا، فإذا نظم كان أصون له من الابتذال، وأظهر لحسنه مع كثرة الاستعمال، وكذلك اللفظ إذا كان منثورا تبدد في الأسماع وتدحرج عن الطباع.
الكذب مذموم إلا من الشعراء :
و من فضائله أن الكذب الذي اجتمع الناس على قبحه حسن فيه، وحسبك ما حسّن الكذب واغتفر له قبحه، فقد أوعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كعب بن زهير لما أرسل الى أخيه بجير ينهاه عن الإسلام
إعراب القرآن وبيانه، ج ٧، ص : ١٥٠
و ذكر النبي صلى اللّه عليه وسلم بما أحفظه فأرسل اليه أخوه : ويحك ان النبي أوعدك لما بلغه عنك وقد كان أوعد رجالا بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه فقتلهم يعني ابن خطل وابن حبابة وان من بقي من شعراء قريش كابن الزبعرى وهبيرة بن أبي وهب قد هربوا في كل وجه فإن كانت لك في نفسك حاجة فطر الى رسول اللّه فإنه لا يقتل من جاء تائبا وإلا فانج الى نجائك فإنه واللّه قاتلك، فضاقت به الأرض فجاء الى رسول اللّه متنكرا فما صلى البني صلاة الفجر وضع كعب يده في يد رسول اللّه ثم قال : يا رسول اللّه إن كعب بن زهير قد أتى مسنأمنا تائبا أفتؤمنه فآتيك به؟ قال : هو آمن فحسر كعب عن وجهه وقال : بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه هذا مكان العائذ بك أنا كعب بن زهير فأمنه رسول اللّه وأنشد كعب قصيدته التي أولها :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيّم إثرها لم يفد مكبول
يقول فيها بعد تغزله وذكر شدة خوفه ووجله :


الصفحة التالية
Icon