قلنا في مواطن من هذا الكتاب إن التعبير يكون أحيانا بالجملة الاسمية وأحيانا بالجملة الفعلية على أن ذلك ليس متروكا الى الاعتباط وإنما يعدل عن أحد التعبيرين لضرب من التأكيد والمبالغة والاستمرار والانقطاع، فإن الايمان والإيقان بالآخرة أمر ثابت مطلوب دوامه ولذلك أتى به جملة اسمية وجعل خبرها فعلا مضارعا فقال « و هم بالآخرة هم يوقنون » للدلالة على أن إيقانهم يستمر على سبيل التجدد أما إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة مما يتكرر ويتجدد في أوقاتهما المعينة ولذلك أتى بهما فعلين فقال « الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ».
الفوائد :
أورد الامام الزمخشري سؤالا في هذا الصدد بناء على قاعدته الاعتزالية وهو « فإن قلت : كيف أسند تزيين أعمالهم الى ذاته وقد أسنده الى الشيطان في قوله وزين لهم الشيطان أعمالهم. وقد أجاب بقوله :« قلت : بين الاسنادين فرق وذلك أن إسناده الى الشيطان حقيقة وإسناده الى اللّه عز وجل مجاز، وله طريقان في علم البيان أحدهما : أن يكون من المجاز الذي يسمى الاستعارة، والثاني أن
إعراب القرآن وبيانه، ج ٧، ص : ١٦٦
يكون من المجاز الحكمي، فالطريق الاول انه لما متعهم بطول العمر وسعة الرزق وجعلوا إنعام اللّه بذلك عليهم وإحسانه إليهم ذريعة إلى اتباع شهواتهم وبطرهم وإيثارهم الروح والترفه ونفارهم عما يلزمهم فيه من التكاليف الصعبة والمشاق المتعبة فكأنه زين لهم بذلك أعمالهم، واليه أشارت الملائكة صلوات اللّه عليهم في قوله « و لكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر »
والطريق الثاني أن إمهاله الشيطان وتخليته حتى يزين لهم ملابسة ظاهرة للتزيين فأسند اليه لأن المجاز الحكمي يصححه بعض الملابسات. وقيل هي أعمال الخير التي وجب عليهم أن يعملوها زينها اللّه لهم فعمهوا عنها وضلوا، ويعزى الى الحسن.


الصفحة التالية
Icon