فقد شبّه ثوران النقع المنعقد فوق الرؤوس والسيوف المتلاحمة فيه أثناء الحرب بالليل الأسود البهيم تتهاوى فيه الكواكب، وتتساقط الشهب وقول أبي تمام يصف الربيع :
يا صاحبيّ تقصّيا نظريكما تريا وجوه الأرض كيف تصوّر
تريا نهارا مشمسا قد شابه زهر الربا فكأنما هو مقمر
شبه النهار المشمس في الروض البهي المكلل بالأزاهير بالليل المقمر الساجي.
إعراب القرآن وبيانه، ج ١، ص : ٤٥
٥- المخالفة بين الضميرين فقد وحد الضمير في استوقد وحوله نظرا الى جانب اللفظ لأن المنافقين كلهم على قول واحد وفعل واحد، وأما رعاية جانب المعنى في (بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ) فلكون المقام تقبيح أحوالهم وبيان ذاتهم وضلالهم فاثبات الحكم لكل فرد منهم واقع.
٦- مراعاة النظير : وهو فن يعرف عند علماء البلاغة بالتناسب والائتلاف وحدّه أن يجمع المتكلم بين أمر وما يناسبه مع إلغاء ذكر التضادّ لتخرج المطابقة وهي هنا في ذكر الضوء والنور والسرّ في ذكر النور مع أن السياق يقتضي أن يقول بضوئهم مقابل أضاءت هو أن الضوء فيه دلالة على الزيادة فلو قال بضوئهم لأوهم الذهاب بالزيادة وبقاء ما يسمى نورا والغرض هو إزالة النور عنهم رأسا وطمسه أصلا ويؤكد هذا المعنى أنه قال ذهب بنورهم ولم يقل : أذهب نورهم والفرق بينهما أن معنى أذهبه أزاله وجعله ذاهبا ومعنى ذهب به استصحبه ومضى به معه والغرض إفادة أنه لم يبق مطمع في عودة ذلك النور إليهم بالكلية إذ لو قيل : أذهب اللّه نورهم ربما كان يتوهم أنه إنما أذهب عنهم النور وبقي هو معهم فربما عوضهم بدل ما فاتهم فلما قال : ذهب اللّه بنورهم كان ذلك حسما وانقطاعا لمادة الاطماع من حصولهم على أي خير لهم أو منهم وهذا من أسمى ما يصل إليه البيان وقد تعلق ابن الرومي بأهداب هذه البلاغة حين قال في وصف العنب الرّازقيّ :
لم يبق منه وهج الحرور إلّا ضياء في ظروف نور


الصفحة التالية
Icon