قال الغزالي في الإحياء :« للّه سر في مناسبة النغمات الموزونة للأرواح حتى انها لتؤثر فيها تأثيرا عجيبا، فمن الأصوات ما يفرح ومنها ما ينوم ومنها ما يضحك ويطرب ومنها ما يستخرج من الأعضاء حركات على وزنها باليد والرجل والرأس، ولا ينبغي أن يظن أن ذلك لفهم معاني الشعر بل هذا جار في الأوتار حتى قيل : من لم يحركه الربيع وأزهاره، والعود وأوتاره، فهو فاسد المزاج، ليس له علاج، وكيف يكون ذلك لفهم المعنى وتأثيره مشاهد في الصبي في مهده فانه يسكنه الصوت الطيب عن بكائه وتنصرف نفسه عما يبكيه الى الإصغاء إليه، والجمل مع بلادة طبعه يتأثر بالحداء تأثرا يستخف معه الأحمال الثقيلة ويستقصر لقوة نشاطه في سماعه المسافات الطويلة وينبعث فيه من النشاط ما يسكره ويولهه فترى الجمال إذا طالت عليها البوادي واعتراها الإعياء والكلال تحت المحامل والأحمال إذا سمعت منادي الحداء تمدّ أعناقها، وتصغي الى الحادي ناصبة آذانها وتسرع في سيرها حتى تتزعزع عليها أحمالها ومحاملها وربما تتلف أنفسها من شدة السير وثقل الحمل وهي لا تشعر به لنشاطها » ثم ذكر الغزالي دليلا على ما قاله قصة العبد الذي أهلك الجمال بطيب صوته إذ جعلها تقطع مسيرة ثلاثة أيام في ليلة واحدة وبعد ذلك قال :« فإن تأثير السماع في القلب محسوس ومن لم يحركه السماع فهو ناقص مائل عن الاعتدال، بعيد عن الروحانية، زائد في غلظ الطبع وكثافته
إعراب القرآن وبيانه، ج ٧، ص : ٤٨٤
على الجمال والطيور بل على جميع البهائم فإن جميعها تتأثر بالنغمات الموزونة ولذلك كانت الطيور تقف على رأس داود عليه السلام لاستماع صوته ومهما كان النظر في السماع باعتبار تأثيره في القلب لم يجز مطلقا أن يحكم فيه بإباحة ولا تحريم بل يختلف ذلك بالأحوال والاشخاص واختلاف طرق النغمات فحكمه حكم ما في القلب ».