و لست- وإن كانت إليّ حبيبة- بباك على الدنيا إذا ما تولت قال أبو العباس المبرد : فاستثنى :« و إن كانت إليّ حبيبة » استثناء مليحا، ونوى التقديم والتأخير فلذلك جاز له أن يأتي بالضمير مقدّما على مظهره.
٢- التأكيد بأن وفنون أخرى :
و من بديع هذه الآية « إن أنكر الأصوات لصوت الحمير » فنون عديدة نشير إليها :
إعراب القرآن وبيانه، ج ٧، ص : ٥٤٦
أ- فقد أتى بالتمثيل مؤكدا بإن أولا وعزز هذا التأكيد باللام فصار الكلام خبرا إنكاريا كأن التمثيل أمر مبتوت فيه لا يتطرق اليه الشك، فقد تدخل إن في الجملة فترى الكلام بها مستأنفا غير مستأنف مقطوعا موصولا معا، واستخدامها على هذا الوجه يحتاج الى تدبر وروية معا، وقد خفي سر هذا الاستخدام حتى على أفراد العلماء روي عن الأصمعي أنه قال : كنت أسير مع أبي عمرو بن العلاء وخلف الأحمر وكانا يأتيان بشارا فيسلمان عليه بغاية الإعظام ثم يقولان يا أبا معاذ ما أحدثت؟ فيخبرهما وينشدهما ويسألانه ويكتبان عنه متواضعين له حتى يأتي وقت الزوال ثم ينصرفان، وأتياه يوما فقالا : ما هذه القصيدة التي أحدثتها في سلم بن قتيبة؟ قال :
هي التي بلغتكم. قالوا : بلغنا أنك أكثرت فيها من الغريب، قال :
نعم بلغني أن سلم بن قتيبة يتباصر بالغريب فأحببت أن أرد عليه مالا يعرف، قالا : فأنشدناها يا أبا معاذ فأنشدهما :
بكّرا يا صاحبيّ قبل الهجير إن ذاك النجاح في التبكير


الصفحة التالية
Icon