فالأغلال واصلة الى الأذقان ملزوزة إليها وذلك أن طوق الغل الذي في عنق المغلول يكون ملتقى طرفيه تحت الذقن حلقة فيها رأس العمود نادر من الحلقة الى الذقن فلا تخليه يطأطى ء رأسه ويوطى ء قذاله فلا يزال مقمحا » واستطرد الزمخشري داعما رأيه في عودة الضمير على الأغلال فقال :« فإن قلت فما قولك فيمن جعل الضمير للأيدي وزعم أن الغل لما كان جامعا لليد والعنق، وبذلك يسمى جامعة، كان ذكر الأعناق دالا على ذكر الأيدي؟ قلت : الوجه ما ذكرت لك والدليل عليه قوله : فهم مقمحون، ألا ترى كيف جعل الأقماح نتيجة قوله فهي الى الأذقان ولو كان الضمير للأيدي لم يكن معنى التسبب في الاقماح ظاهرا على أن هذا الإضمار فيه ضرب من التعسف وترك الظاهر الذي يدعوه المعنى الى نفسه الى الباطل الذي يجفو عنه وترك للحق الأبلج الى الباطل اللجلج » ولعل الزمخشري قد بلغ الذروة في هذا التقرير الفريد ودل على اطلاعه وتمكنه من علم البيان، على أن الوجه الثاني وهو عودة الضمير على الأيدي لا يخلو من وجاهة وسمو بيان وفيها مبالغة في تصوير الهول تتلاءم مع سياق الكلام فإن اليد وإن لم يجر لها ذكر في العبارة فإن الغل يدل عليها بل ويستلزمها، ولا شك أن ضغط اليد مع العنق في العنق يوجب الاقماح، أضف الى ذلك أن اليد متى كانت مرسلة مخلاة كان للمغلول بعض الفرح
إعراب القرآن وبيانه، ج ٨، ص : ١٧٨
بإطلاقها، ولعله يتحيل بها ويستعين على فكاك الغل وليس الأمر كذلك إذا كانت مغلولة فيضاف الى ما تقدم من التشبيهات المفرقة أن يكون انسداد باب الحيل عليهم في الهداية والانخلاع من ربقة الكفر المقدر عليهم مشبها بغل الأيدي لأن اليد- كما قلنا- آلة الحيلة والوسيلة الى الخلاص.
٢- استعارة تمثيلية ثانية :