و عذاب مبتدأ مؤخر وأليم نعت والجملة خبر أولئك وجملة الإشارة نصب على الحال (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) تقدم إعراب نظيرها قريبا فجدد به عهدا، نعم في الكلام حذف الفاء من قوله إن ذلك وهو جواب الشرط
إعراب القرآن وبيانه، ج ٩، ص : ٤٥
فالأولى جعل من موصولة مبتدأ وقوله إن ذلك خبر، وإن واسمها واللام المزحلقة ومن عزم الأمور خبر.
البلاغة :
١- جناس المزاوجة : في قوله « و جزاء سيئة سيئة مثلها » جناس المزاوجة اللفظي فإن السيئة الثانية ليست بسيئة وإنما هي مجازاة عن السيئة، سميت باسمها لقصد المزاوجة، ومثله في البقرة قوله تعالى « فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم » فقد تقدم القول هناك أنه تعالى سمى جزاء الاعتداء اعتداء ليكون في نظم الكلام مزاوجة وبعضهم يعبّر عنها بالمشاكلة وبعض المحققين لا يجعله من ذلك الباب بل يقول : إن غرضه تعالى أن السيئة ينبغي أن تقابل بالعفو والصفح عنها فإن عدل عن ذلك إلى الجزاء كان ذلك سيئة مثل تلك السيئة وهذا الكلام لا يخلو من نفحة صوفية روحانية.
٢- التهذيب : وفي هذه الآية فن التهذيب أيضا فإنها سلمت من المحذور الذي يقتضي تهذيبها، وتفصيل ذلك أنه عند ما يسند الفعل إلى اللّه تعالى ينبغي العدول عن إسناد الإساءة إليه كما في قوله « يجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى » فإن صحة المقابلة في هذا النظم أن يقال ليجزي الذين أساءوا بالإساءة حتى تصحّ مقابلته بقوله « و يجزي الذين أحسنوا بالحسنى » لكن منع من ذلك التزام الأدب مع اللّه سبحانه في إسناد فعل الإساءة إليه أو الآية التي نحن بصددها فقد أمن فيها ذلك المحذور فأتى النظم على مقتضى البلاغة من مجي ء تجنيس الازدواج فيه على وجهه من غير تغير إذ لا ضرورة تدعو إلى تغييره.