٤- في قوله « و الأرض وضعها للأنام » إلى آخر الآيات التي عدد فيها سبحانه آلاءه دليل على أن التشدد وسلوك الطريق الأصعب الذي يشقّ على المكلف ليسا محمودين لأن الشرع لم يقصد إلى تعذيب النفس، وقد روي عن الربيع بن زياد الحارثي أنه قال لعلي بن أبي طالب رضي اللّه عنه : أعدني على أخي عاصم قال : فما باله؟ قال لبس العباءة يريد النسك فقال علي رضي اللّه عنه : عليّ به فأتي به مؤتزرا بعباءة مرتديا لأخرى شعث الرأس واللحية فعبس في وجهه وقال :
ويحك أما استحييت من أهلك؟ أما رحمت ولدك؟ أترى اللّه أباح لك الطيبات وهو يكره أن تنال منها شيئا؟ بل أنت أهون على اللّه من ذلك، أما سمعت اللّه يقول في كتابه :« و الأرض وضعها للأنام » إلى قوله « يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان » أفترى اللّه أباح هذه لعباده إلا ليبتذلوه ويحمدوا اللّه عليه فيثيبهم عليه وإن ابتذالك نعم اللّه بالفعل خير منه بالقول، قال عاصم فما بالك في خشونة مآكلك وخشونة ملبسك؟ قال ويحك إن اللّه فرض على أئمة الحق أن يقدروا أنفسهم بصفة الناس.
هذا وقد كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يأكل الطيب إذا وجده وكان يحبّ الحلواء والعسل ويعجبه لحم الذراع ويستعذب له الماء فأين التشديد من هذا وإذن فالاقتصار على البشع في المأكول من غير عذر تنطّع.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ١٤ الى ٣٠]
خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨)
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣)