فيا ميّ هل يجزى بكائي بمثله مرارا وأنفاسي إليك الزوافر
و إني متى أشرف على الجانب الذي به أنت من بين الجوانب ناظر
فلو كان النظر الرؤية لم يطلب عليه الجزاء لأن المحبّ لا يستثيب من النظر إلى محبوبه شيئا بل يريد ذلك ويتمناه، ويدلّ على ذلك قول الآخر :
و نظرة ذي شجن وامق إذا ما الركائب جاوزن ميلا
و أما قوله سبحانه : ولا ينظر إليهم يوم القيامة فالمعنى أنه سبحانه لا ينيلهم رحمته، وقد تقول نظر إليّ فلان إذا كان ينيلك شيئا، ويقول القائل : انظر إليّ نظر اللّه إليك يريد أنلني خيرا أنالك اللّه، ونظرت فعل يستعمل وما تصرّف منه على ضروب :
١- أحدها أن تريد به : نظرت إلى الشي ء، فتحذف الجار وتصل الفعل، ومن ذلك ما أنشده أبو الحسن :
ظاهرات الجمال والحسن ينظر ن كما ينظر الأراك الظباء
إعراب القرآن وبيانه، ج ٩، ص : ٤٥٩
و المعنى ينظرن إلى الأراك، فحذف الجار، ولهذا قال أبو حيان :
« إن النظر بمعنى الإبصار لا يتعدى بنفسه إلا في الشعر وإنما يتعدى بإلى ».
٢- والثاني : أن تريد به تأملت وتدبرت وهو فعل غير متعدّ فمن ذلك قولهم اذهب فانظر زيدا أبو من هو، فهذا يراد به التأمّل، ومن ذلك قوله : انظر كيف ضربوا لك الأمثال، وانظر كيف فضّلنا بعضهم على بعض وقد يتعدى هذا بالجار كقوله تعالى :« أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت » فهذا حضّ على التأمل، وقد يتعدى هذا بفي نحو قوله :
أ فلم ينظروا في ملكوت السموات والأرض، فأما قول امرئ القيس :
فلما بدا حوران والآل دونه نظرت فلم تنظر بعينك منظرا