استطرد، وفي الآية التي نحن بصددها ذمّ اليهود واستطرد ذمّهم بذمّ المشركين على نوع حسن من النسبة، والاستطراد في اللغة مصدر استطرد الفارس من قرنه في الحرب وذلك أن يفرّ من بين يديه يوهمه الانهزام ثم يعطف عليه على غرّة منه، وفي الاصطلاح أن تكون في غرض من أغراض الشعر توهم أنك مستمر فيه ثم تخرج منه إلى غيره لمناسبة بينهما ولا بدّ من التصريح باسم المستطرد بشرط أن لا يكون قد تقدم له ذكر ثم ترجع إلى الأول، أو يكون آخر الكلام وقيل إن أول شاهد ورد في هذا النوع وسار مسير الأمثال قول السموأل :
و إنّا لقوم لا نرى القتل سبة إذا ما رأته عامر وسلول
فانظر إلى خروجه الداخل في الافتخار إلى الهجو وحسن عوده إلى ما كان عليه من الافتخار بقوله :
يقرب حب الموت آجالنا لنا وتكرهه آجالهم فتطول
و منه قول حسان بن ثابت :
إن كنت كاذبة الذي حدّثتني فنجوت منجى الحارث بن هشام
ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ونجا برأس طمرة ولجام
فانظر كيف خرج من الغزل إلى هجو الحارث بن هشام وهو أخو أبي جهل أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه ومات يوم اليرموك بالشام، ومنه أيضا قول البحتري من قصيدة في وصف فرس :
كالهيكل المبني إلا أنه في الحسن جاء كصورة في هيكل
ملك العيون فإن بدا أعطيته نظر المحب إلى الحبيب المقبل
ما إن يعاف قذى ولو أوردته يوما خلائق حمدويه الأحول
و مثله قول بعضهم يصف خمرا طبخت حتى راقت وصفت :
إعراب القرآن وبيانه، ج ١٠، ص : ٧٣
لم يبق منها وقود الطابخين لها إلا كما أبقت الأنواء من داري
فما أحلى استطراده من وصف الخمر إلى وصف داره بالخراب.
و من الغريب في هذا الباب الاستطراد من الهجو إلى الهجو كقول جرير يهجو الفرزدق :
لها برص بأسفل أسكيتها كعنفقة الفرزدق حين شابا
الفوائد :
اشتملت هذه السورة على فوائد تاريخية وتشريعية نورد منها ما يتعلق بموضوع كتابنا ونحيل القارئ إلى كتب الفقه والتفاسير المطوّلة :