هذا وقد وعدناك بإيراد مناقشة ممتعة شجرت بين أكابر المفسّرين حول قوله : ويؤخركم إلى أجل مسمى فقد قال الزمخشري :« فإن قلت : كيف قال ويؤخركم مع إخباره بامتناع تأخير الأجل وهل هذا إلا تناقض؟ قلت : قضى اللّه مثلا أن قوم نوح إن آمنوا عمّرهم ألف سنة وإن بقوا على كفرهم أهلكهم على رأس تسعمائة فقيل لهم آمنوا يؤخركم إلى أجل مسمى أي إلى وقت سمّاه اللّه وضربه أمدا تنتهون إليه لا تتجاوزونه وهو الوقت الأطول تمام الألف ثم أخبر أنه إذا جاء ذلك الأجل الأمد لا يؤخر كما يؤخر هذا الوقت ولم تكن لكم حيلة فبادروا في أوقات الإمهال والتأخير ».
و قال ابن عطية :« و يؤخركم إلى أجل مسمى مما تعلقت المعتزلة به في قولهم إن للإنسان أجلين قالوا : لو كان واحدا محددا لما صحّ التأخير إن كان الحدّ قد بلغ ولا المعالجة إن كان لم يبلغ » قال :« و ليس لهم في الآية تعلق لأن المعنى أن نوحا عليه السّلام لم يعلم هل هم ممّن يؤخر أو ممّن يعاجل ولا قال لهم إنكم تؤخرون عن أجل قد حان لكم لكن سبق في الأزل أنهم إما ممّن قضي له بالإيمان والتأخير وإما ممّن قضي له بالكفر والمعالجة ثم تشدّد هذا المعنى ولاح بقوله : إن أجل اللّه إذا جاء لا يؤخر ».
و قد جلا السيوطي الغموض الذي تحيف هذا التعبير بقوله في تفسيره الممتع « و يؤخركم بلا عذاب » أي في الدنيا فلا يخالف قوله إن أجل اللّه إذا جاء لا يؤخر لأن المنفي تأخيره فيه هو الأجل نفسه فلا تخالف بين هذين المحلين.
و عبارة الكرخي في حاشيته على الجلالين :« قوله ويؤخركم بلا
إعراب القرآن وبيانه، ج ١٠، ص : ٢٢٦