٢- وفي قوله « إن لك في النهار سبحا طويلا » استعارة تصريحية، فالسبح مصدر سبح وقد استعير من السباحة في الماء للتصرّف في مناحي العيش وحوائج الناس أي إن لك في النهار تصرفا وتقلبا في
إعراب القرآن وبيانه، ج ١٠، ص : ٢٦٣
المهمات كما يتردد السابح في الماء قال الشاعر :
أباحوا لكم شرق البلاد وغربها ففيها لكم يا صاح سبح من السبح
و قرى ء سبخا بالخاء المعجمة ومعناه خفه من التكاليف، والتسبيخ التخفيف وهو استعارة من سبخ الصوف إذا نفشه ونشر أجزاءه ومعناه انتشار الهمّة وتفرّق الخاطر في الشواغل ويقال لقطع القطن سبائخ الواحدة سبيخة ومنه قول الأخطل :
فأرسلوهنّ يذرين التراب كما يذري سبائخ قطن ندف أوتار
الفوائد :
اختلفت أقوال المفسرين في هذا الخطاب على ثلاثة أقوال :
١- قال عكرمة يا أيها المزمّل بالنبوّة والمتدثّر بالرسالة وعنه أيضا : يا أيها الذي زمّل هذا الأمر أي حمله ثم فتر.
٢- قال ابن عباس : يا أيها المزمّل بالقرآن.
٣- قال قتادة : يا أيها المزمّل بثيابه، وكان هذا في ابتداء ما أوحي إليه فإنه صلّى اللّه عليه وسلم لما جاءه الوحي في غار حراء رجع إلى خديجة زوجه يرجف فؤاده فقال : زمّلوني زمّلوني لقد خشيت على نفسي أن يكون هذا مبادئ شعر أو كهانة وكل ذلك من الشيطان وأن يكون الذي ظهر بالوحي ليس الملك فقالت له خديجة وكانت وزيرة صدق كلا واللّه لا يخزيك اللّه أبدا إنك تصل الرحم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق.
و قيل أنه صلّى اللّه عليه وسلم كان نائما في الليل متزمّلا في قطيفة فنودي بما يهجن تلك الحالة التي كان عليها من التزمّل في
إعراب القرآن وبيانه، ج ١٠، ص : ٢٦٤
قطيفته، وقد تشبث الزمخشري بهذا الرأي وقال عبارة بليغة في حدّ ذاتها ولكنه أساء إلى الرسول صلّى اللّه عليه وسلم وننقل فيما يلي عبارته وتعقيب ابن المنير عليها لطرافتهما ولكونهما من الأدب الرفيع :


الصفحة التالية
Icon