قال الزمخشري :« و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم نائما بالليل متزمّلا في قطيفته فنودي بما يهجن إليه الحالة التي كان عليها من التزمّل في قطيفته واستعداده للاستثقال في النوم كما يفعل من لا يهمّه أمر ولا يعنيه شأن، ألا ترى إلى قول ذي الرمّة :
و كائن تخطّت ناقتي من مفازة ومن نائم عن ليلها متزمّل
يريد الكسلان المتقاعس الذي لا ينهض في معاظم الأمور وكفايات الخطوب ولا يحمل نفسه المشاق والمتاعب ونحوه :
فأتت به حوش الفؤاد مبطنا سهدا إذا ما نام ليل الهوجل
و في أمثالهم :
أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل
فذمّه بالاشتمال بكسائه وجعل ذلك خلاف الجدّ والكيس وأمر بأن يختار على الهجود التهجد، وعلى التزمّل التشمّر والتخفّف للعبادة والمجاهدة في اللّه لا جرم أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قد تشمّر لذلك مع أصحابه حق التشمّر وأقبلوا على إحياء لياليهم ورفضوا له الرقاد والدعة وتجاهدوا فيه حتى انتفخت أقدامهم واصفرّت ألوانهم وظهرت السيما في وجوههم وترامى أمرهم إلى حد رحمهم له ربهم فخفف عنهم »
ولعمري لقد أنصف الزمخشري النبي وأصحابه ووصف عبادتهم وإنضاء نفوسهم وصفا يليق بهم بيد أن العبارات الأولى موهمة قليلا لذلك أخذها عليه ابن المنير بقوله :
إعراب القرآن وبيانه، ج ١٠، ص : ٢٦٥


الصفحة التالية
Icon