و عندئذ تكون في محل نصب على الحال أي حال فعلهم بالمؤمنين (وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) الواو عاطفة أو حالية وما نافية ونقموا فعل ماض وفاعل ومنهم متعلقان بنقموا وإلا أداة حصر وأن يؤمنوا مصدر مؤول في محل نصب مفعول نقموا أي ما عابوا منهم وما أنكروا إلا الإيمان، وسيأتي مزيد بسط لهذا المعنى في باب البلاغة، وعبروا بالمستقبل بقوله يؤمنوا مع أن الإيمان وجد منهم في الماضي لأن تعذيبهم إياهم وإنكارهم عليهم ليس للإيمان الماضي وإنما لديمومته متمكنا فيهم مركوزا في صدورهم فكأنه قيل إلا استمرارهم على إيمانهم. وباللّه متعلقان بيؤمنون والعزيز الحميد صفتان
إعراب القرآن وبيانه، ج ١٠، ص : ٤٣٢
للّه ذكر الأوصاف التي يستحق بها أن يعبد وأن يؤمن به كل مخلوق ومنها العزّة والأنعام الذي يستحق عليه الحمد (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيدٌ) الذي نعت ثالث وله خبر مقدّم وملك السموات والأرض مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية لا محل لها لأنها صلة واللّه مبتدأ وشهيد خبره وعلى كل شي ء متعلقان بشهيد.
البلاغة :
في قوله :« و ما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد » فن توكيد المدح بما يشبه الذم، وقد تقدمت الإشارة إليه في المائدة وهو أن يستثني من صفة ذم منفية صفة مدح أو أن يثبت لشي ء صفة مدح ويؤتى بعدها بأداة استثناء تليها صفة مدح أخرى، ومن الأول بيت النابغة في مديح الغسانيين :
و لا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم بهنّ فلول من قرع الكتائب
و قول ابن الرقيات وقد اقتبس لفظ القرآن ورمق سماء بلاغته :
ما نقموا من أمية إلا أنهم يحملون إن غضبوا
و منه قول ابن نباتة المصري :
و لا عيب فيه غير أني قصدته فأنستني الأيام أهلا وموطنا
و قول المعرّي :
تعدّ ذنوبي عند قوم كثيرة ولا ذنب لي إلا العلا والفضائل


الصفحة التالية
Icon