١- في قوله « لا يسمن ولا يغني من جوع » فن التتميم، وقد تقدم مرارا فقوله ولا يغني من جوع جملة لا يمكن طرحها من الكلام لأنه لما قال لا يسمن ساغ لمتوهم أن يتوهم أن هذا الطعام الذي ليس من جنس طعام البشر انتفت عنه صفة الاسمان ولكن بقيت له صفة الإغناء فجاءت جملة ولا يغني من جوع تتميما للمعنى المراد وهو أن هذا الطعام انتفت عنه صفة إفادة السمن والقوة كما انتفت عنه صفة إماطة الجوع وإزالته، وجعله بعضهم من باب نفي الشي ء بإيجابه على حدّ قول امرئ القيس « على لاحب لا يهتدى بمناره » أي أنه لا منار له أصلا وكما تقول ليس لفلان ظل إلا الشمس تريد نفي الظل على التوكيد وليس ببعيد والأول أرصن وأبعد عن التكلّف.
٢- الحذف : تكلمنا في هذا الكتاب كثيرا عن الحذف وسنخصّص هنا لمعة عن حذف المفعول به خاصة لزيادة الفائدة وذلك بمناسبة قوله تعالى « فذكّر إنما أنت مذكّر » فنقول : يجوز حذف المفعول به لغرض إما لفظي كتناسب الفواصل أي رؤوس الآي وذلك في نحو قوله تعالى :« ما ودعك ربك وما قلى » والأصل وما قلاك فحذف المفعول ليناسب قوله :« و الضحى والليل إذا سجى » وكالإيجاز في نحو قوله تعالى :« فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا » والأصل فإن لم تفعلوه ولن تفعلوه أي الإتيان بسورة من مثله وإما معنوي كاحتقاره نحو « كتب اللّه لأغلبنّ أنا ورسلي » أي لأغلبنّ الكافرين فحذف المفعول زيادة في
إعراب القرآن وبيانه، ج ١٠، ص : ٤٦٢
امتهانه واحتقاره أو لاستهجانه واستقباح التصريح به كقول عائشة رضي اللّه عنها : ما رأى منّي ولا رأيت منه، أي العورة.


الصفحة التالية
Icon