فقال سعيد بن المسيب لما سمع هذا البيت : ما له قاتله اللّه صغّر ما كبر اللّه قال اللّه تعالى « و القمر قدّرناه منازل » قال ابن خالويه :« فيجوز أن يكون ابن أبي ربيعة صغّر قميرا على المدح لما ذكرت، ومع ذلك فإن ابن أبي ربيعة قد أنشد هذه القصيدة لابن عباس فما أنكر عليه شيئا، ومن ذلك قول الرجل لابنه : يا بنيّ لا يريد تحقيره فاعرف ذلك ولابن أبي ربيعة حجة أخرى وذلك أن العرب تقول للقمر في آخر الشهر وأوله شفا قمير فيصغّرونه » وهذا الذي ذكرناه من معاني التصغير يردّه البصريون وجميع ما ذكرناه عندهم راجع إلى معنى التحقير.
هذا ونضرب على سبيل المثال مثلا بيت لبيد بن ربيعة وهو :
و كل أناس سوف تدخل بينهم دويهية تصفرّ منها الأنامل
فالكوفيون ذهبوا إلى أن التصغير في قوله دويهية للتعظيم وبيان هذا أن الشاعر أراد بها الموت ولا داهية أعظم منها، فأما كونه أراد بها الموت فيدل لذلك وصفها بقوله « تصفر منها الأنامل » والأنامل هنا الأظفار وهي إنما تصفر بالموت، قال الطوسي في شرح ديوان لبيد : إذا مات الرجل أو قتل اصفرّت أنامله واسودّت أظافره » وقد ردّ البصريون أن التصغير يأتي للتعظيم وجرى على مذهبهم الرضي المحقق فقال :« قيل مجي ء التصغير للتعظيم يكون من باب الكناية يكنى بالصغر عن بلوغ الغاية لأن الشي ء إذا جاوز حدّه جانس ضده ورد بأن تصغيرها على حسب احتقار الناس لها وتهاونهم بها إذ المراد بها الموت أي يجيئهم ما يحتقرونه مع أنه عظيم في نفسه تصفر منه الأنامل » وقال البصريون عن بيت لبيد :« فأما قوله دويهية فالمراد أن أصغر الأشياء قد يفسد الأصول
إعراب القرآن وبيانه، ج ١٠، ص : ٤٦٤
العظام فحتف النفوس قد يكون الأمر الذي لا يؤبه له »
ولا يخفى ما في هذا القول من الرصانة والقوة فتنبّه لهذا الفصل الذي وإن طال بعض الطول فهو كالحسن ليس بمملول.


الصفحة التالية
Icon