زيادة (ما) بين الباء وعن ومن والكاف ومجروراتها أمر معروف في اللسان العربي مقرر في علم العربية. وذهب بعض المعربين الى أن « ما » ليست زائدة بل هي نكرة تامة بمعنى شي ء ورحمة بدل منها.
و كأن قائلي هذا يفرّون من أنها زائدة. وقيل :« ما » هنا استفهامية، قال الفخر الرازي ما نصه :« قال المحققون : دخول اللفظ المهمل الوضع في كلام أحكم الحاكمين غير جائز، وهنا يجوز أن تكون « ما » استفهاما للتعجب تقديره : فبأي رحمة من اللّه لنت لهم! وذلك بأن جنايتهم لمّا كانت عظيمة، ثم إنه ما أظهر البتة تغليظا في القول
إعراب القرآن وبيانه، ج ٢، ص : ٨٩
و لا خشونة في الكلام علموا أن هذا لا يتأتى إلا بتأييد رباني قيل ذلك ».
و ما قاله هؤلاء المحققون صحيح ولكن زيادة « ما » للتوكيد لا ينكره في مواطنه المقررة من له أدنى مسكة في الذوق والتعلق بالعربية، فضلا عمن يتعاطى تفسير كلام اللّه. وليس « ما » في هذا المكان ما يتوهمه أحد مهملا فلا يحتاج ذلك الى تأويلها بأن تكون استفهاما للتعجب، ثم إن تقديره ذلك :« فبأي رحمة » دليل على أنه جعل « ما » مضافة للرحمة، وما ذهب اليه خطأ من وجهين، أحدهما : أنه لا تضاف ما الاستفهامية ولا أسماء الاستفهام غير « أيّ » بلا خلاف، و « كم » على خلاف. والثاني أنه إذا لم تصح الاضافة فيكون إعرابه بدلا، وإذا كان بدلا من اسم الاستفهام فلا بد من إعادة همزة الاستفهام في البدل كما هو مقرر، وكان يغنيه عن هذا الارتباك والتسور عليه قول الزجاج في « ما » هذه : إنها صلة فيها معنى التوكيد بإجماع النحويين والبيانيين.
مناقشة طريفة بين الغزالي وابن الأثير :