بأجلّ من قيس إذا استنطقته رأيا وألطف في الأمور وأجزل
٣- ويكون يفي الجارّة التجريدية، قال تعالى :« لهم فيها دار الخلد » أي في جهنم فانتزع منها دارا أخرى مبالغة. وقد رمقها أبو الطيب فقال :
تمضي المواكب والأبصار شاخصة منها الى الملك الميمون طائره
قد حرن في بشر في تاجه قمر في درعه أسد تدمى أظافره
فإن الأسد هو الممدوح نفسه لكنه انتزع منه أسدا آخر تهويلا لأمره ومبالغة في اتصافه بالشجاعة والإقدام.
٤- ومن أقسام التجريد أن ينتزع الإنسان من نفسه شخصا آخر مثله في الصفة التي سيق لها الكلام، ثم يخاطبه كقول المتنبي :
إعراب القرآن وبيانه، ج ٢، ص : ٩٧
لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
و أجز الأمير الذي نعماه فاجئة بغير قول ونعمى القوم أقوال
و جميل قول أبي نواس :
يا كثير النّوح في الدمن لا عليها بل على السكن
سنة العشاق واحدة فإذا أحببت فاستنن
و مراده الخطاب مع نفسه، ولذلك قال بعدهما :
ظنّ بي من قد كلفت به فهو يجفوني على الظّنن
بات لا يعنيه ما لقيت عين ممنوع من الوسن
رشأ لولا ملاحته خلت الدنيا من الفتن
و قال شوقي في العصر الحديث :
قم ناج جلّق وانشد رسم من بانوا مشت على الرسم أحداث وأزمان
فقد انتزع من نفسه شخصا آخر يمثّله في الشاعرية والقدرة على مناجاة دمشق الخالدة التي صمدت للاستعمار دائما. ويكثر هذا القسم في مطالع القصائد ولكن سبيله صعبة محفوفة بالخطر لأنه قد
إعراب القرآن وبيانه، ج ٢، ص : ٩٨
يخاطب مسدوحه أو معشوقه أو أي مخاطب كان بما يكره ويتطيّر به كما فعل جرير عند ما استهل قصيدة مدح بها عبد الملك بن مروان :
أ تصحو أم فؤادك غير صاح عشيّة هم صحبك بالرّواح
فقال له عبد الملك : ويلك! ما لك ولهذا السؤال يا ابن الفاعلة! وكما تورط أبو الطيب المتنبي نفسه متعمدا في مديح كافور :
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكنّ أمانيا