١- في قوله :« إنما يتقبل اللّه من المتقين » الكلام الجامع المانع، فقد جمعت هذه الجملة الكثير من المعاني بكلام مختصر، فقد اشتملت على فحوى القصة من أولها الى آخرها، والقصة مطولة يجدها القارئ في المطوّلات. وخلاصة المعنى أن اللّه تعالى لا يقبل طاعة إلا من مؤمن متّق، وعن عامر بن عبد اللّه أنه بكى حين حضرته الوفاة فقيل له :
ما يبكيك؟ فقد كنت وكنت. قال : إني أسمع اللّه يقول : إنما يتقبل اللّه من المتقين.
٢- في قوله :« إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك » فن الاتساع.
و هو أن يأتي المتكلم بكلام يتسع فيه التأويل بحسب ما تحتمله ألفاظه، فيتّسع التأويل فيه على قدر عقول الناس وتفاوت أفهامهم. وهو في الآية في إرادته إثم أخيه، لأن معناه : إني لا أريد أن أقتلك فأعاقب.
و لما لم يكن بدّ من إرادة أحد الأمرين : وهما إما إثمه بتقدير أن يدفع عن نفسه فيقتل أخاه، وإما إثم أخيه بتقدير أن يستسلم وكان غير مريد للأول فاضطر الى الثاني، فلم يرد إذن إثم أخيه لعينه، وإنما أراد أن الإثم هو بالمدافعة المؤدية الى القتل، ولم تكن حينئذ مشروعة، فلزم من ذلك إرادة إثم أخيه. وهذا كما يتمنى الإنسان الشهادة.
و معناها أن يبوء الكافر بقتله وبما عليه في ذلك من الإثم، ولكن لم يقصد هو إثم الكافر لعينه وإنما أراد أن يبذل نفسه في سبيل اللّه رجاء إثم الكافر بقتل الكافر ضمنا وتبعا. والذي يدل على ذلك أنه لا فرق في حصول درجة الشهادة وفضيلتها بين أن يموت القاتل على الكفر وبين أن يختم له بالإيمان، فيحبط عنه إثم القتل الذي كان به الشهيد
إعراب القرآن وبيانه، ج ٢، ص : ٤٥٤
شهيدا، أعني بقي الإثم على قاتله وأحبط عنه، إذ ذلك لا ينقص من فضيلة شهادته ولا يزيدها، ولو كان إثم الكافر بالقتل مقصودا لاختلف التمني باعتبار بقائه وإحباطه، فدلّ على أنه أمر لازم تبع لا مقصود.
أقوال للعلماء :


الصفحة التالية
Icon