هذا وقد أقاض علماء التفسير والنحو والبلاغة في هذه الآية، ويتلخص مما أوردوه أن هناك ثلاثة تأويلات :
أ- إنه على حذف همزة الاستفهام أي : إني أريد أأن تبوء؟
و هو استفهام استنكاري لأن إرادة المعصية معصية.
ب- أن « لا » محذوفة، تقديره : إني أريد أن لا تبوء بإثمي، كقوله تعالى :« يبين اللّه لكم أن تضلوا » أي : أن لا تضلوا.
ج- إن الإرادة على حالها، وهي إما ارادة مجازية أو حقيقية، وجازت إرادة ذلك به لمعان ذكرها المفسرون، ومن جملتها أنه ظهرت له قرائن تدل على قرب أجله، وأن أخاه كافر، وأن ارادة العقوبة بالكافر حسنة.
٣- جاء الشرط بلفظ الفعل، وهو قوله : بسطت، والجواب بلفظ اسم الفاعل، وهو قوله :« ما أنا بباسط » لإفادة أنه لا يفعل ما يكتسب به هذا العمل المنكر، ولذلك أكده بالباء الزائدة المؤكدة للنفي.
إعراب القرآن وبيانه، ج ٢، ص : ٤٥٥
المتنبي والاتساع :
و على كل حال تبدو هذه الآية والاتساع فيها مما يدق على الأفهام، ولكنها دقة لازمة تنطوي على الكثير من المعاني المتصيّدة من الكلام. وقد رمق المتنبي سماءها فكثيرا ما كان يجنح الى هذا الضرب من البلاغة فيدق كلامه. فمن اتساعه قوله :
لو لا مفارقة الأحباب ما وجدت لها المنايا الى أرواحنا سبلا
فظاهر الكلام يوحي بالبداهة الأولى أن « لها » جار ومجرور متعلقان بوجدت، ولكن فيه تعدّي فعل الفعل الظاهر الى ضميره المتصل، وذلك ممتنع، فيجب أن يقدر صفة في الأصل ل « سبلا » فلما تقدم عليه صار حالا، كما أن قوله :« الى أرواحنا »، كذلك إذ المعنى : سبلا مسلوكة الى أرواحنا. ولك في « لها » وجه غريب، وهو أن تقدر « لها » جمعا للهاة، كحصى وحصاة، وتكون « المنايا » مضافة إليها، ويكون إثبات اللهوات للمنايا استعارة، شبهت بشي ء يبتلع الناس، ويكون أقام اللها مقام الأفواه لمجاورة اللهوات للنعم، فاللهاة بالفتح هي اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى سقف الفم.
و من ذلك قوله في الغزل.