وقيل التزام الفرائض واتباع السنن، وقيل هو موافقه الباطن للظاهر في إسباغ النعمة. قال تعالى :﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَه ظَـاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ وقرأ : صراط من أنعمت عليهم، ابن مسعود، وعمر، وابن الزبير، وزيد بن علي. والمنعم عليهم هنا الأنبياء أو الملائكة أو أمة موسى وعيسى الذين لم يغيروا، أو النبي صلى الله عليه وسلّم أو النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، أو المؤمنون، قاله ابن عباس. أو الأنبياء والمؤمنون، أو المسلمون، قاله وكيع، أقوال، وعزا كثيراً منها إلى قائلها ابن عطية، فقال : قال ابن عباس : والجمهور أراد صراط النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، انتزعوا ذلك من آية النساء. وقال ابن عباس أيضاً : هم المؤمنون. وقال الحسن : أصحاب محمد صلى الله عليه وسلّم. وقالت فرقة : مؤمنو بني إسرائيل. وقال ابن عباس : أصحاب موسى قبل أن يبدلوا. وقال قتادة : الأنبياء خاصة. وقال أبو العالية : محمد صلى الله عليه وسلّم وأبو بكر وعمر، انتهى. ملخصاً ولم يقيد الأنعام ليعم جميع الأنعام، أعني عموم البدل. وقيل أنعم عليهم بخلقهم للسعادة، وقيل بأن نجاهم من الهلكة، وقيل بالهداية واتباع الرسول، وروي عن المتصوفة تقييدات كثيرة غير هذه، وليس في اللفظ ما يدل على تعيين قيد. واختلف هل لله نعمة على الكافر ؟ فأثبتها المعتزلة ونفاها غيرهم. وموضع عليهم نصب، وكذا كل حرف جر تعلق بفعل، أو ما جرى مجراه، غير مبني للمفعول. وبناء أنعمت للفاعل استعطاف لقبول التوسل بالدعاء في الهداية وتحصيلها، أي طلبنا منك الهداية، إذ سبق إنعامك، فمن إنعامك إجابة سؤالنا ورغبتنا، كمثل أن تسأل من شخص قضاء حاجة ونذكره بأن من عادته الإحسان بقضاء الحوائج، فيكون ذلك آكد في اقتضائها وأدعى إلى قضائه. وانقلاب الفاعل مع المضمر هي اللغة الشهرى، ويجوز إقرارها معه على لغة، ومضمون هذه الجملة طلب استمرار الهداية إلى طريق من أنعم الله عليهم، لأن من صدر منه حمد الله وأخبر بأنه يعبده ويستعينه فقد حصلت له الهداية، لكن يسأل دوامها واستمرارها.
﴿غَيْرِ﴾ مفرد مذكر دائماً وإذا أريد به المؤنث جاز تذكير الفعل حملاً على اللفظ، وتأنيثه حملاً على المعنى، ومدلوله المخالفة بوجه مّا، وأصله الوصف، ويستثنى به ويلزم الإضافة لفظاً أو معنى، وإدخال أل عليه خطأ ولا يتعرف، وإن أضيف إلى معرفة. ومذهب ابن السراج أنه إذا كان المغاير واحداً تعرف بإضافته إليه، وتقدم عن سيبويه أن كل ما إضافته غير محضة، قد يقصد بها التعريف، فتصير محضة، فتتعرف إذ ذاك غير بما تضاف إليه إذا كان معرفة، وتقرير هذا كله في كتب النحو. وزعم البيانيون أن غير أو مثلاً في باب الإسناد إليهما مما يكاد يلزم تقديمه، قالوا نحو قولك غيرك يخشى ظلمه، ومثلك يكون للمكرمات ونحو ذلك، مما لا يقصد فيه بمثل إلى إنسان سوى الذي أضيف إليه، ولكنهم يعنون أن كل من كان مثله في الصفة كان من مقتضى القياس، وموجب العرف أن يفعل ما ذكر، وقوله :
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٤
غيري بأكثر هذا الناس ينخدع
غرضه أنه ليس ممن ينخدع ويغتر، وهذا المعنى لا يستقيم فيهما إذا لم يقدما نحو : يكون للمكرمات مثلك، وينخدع بأكثر هذا الناس غيري، فأنت ترى الكلام مقلوباً على جهته.
﴿الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾، الغضب : تغير الطبع لمكروه، وقد يطلق على الإعراض لأنه من ثمرته. لا حرف يكون للنفي وللطلب وزائداً، ولا يكون إسماً خلافاً للكوفيين. ﴿وَلا الضَّآلِّينَ﴾، والضلال : الهلاك، والخفاء ضل اللبن في الماء، وقيل أصله الغيبوبة في كتاب لا يضل ربي، وضللت الشيء جهلت المكان الذي وضعته فيه، وأضللت الشيء ضيعته، وأضل أعمالهم، وضل غفل ونسي، وأنا من الضالين، ﴿أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا﴾، والضلال سلوك غير القصد، ضل عن الطريق سلك غير جادتها، والضلال الحيرة،
٢٨


الصفحة التالية
Icon