قبل وبعد ظرفا زمان وأصلهما الوصف ولهما أحكام تذكر في النحو، ومدلول قبل متقدم، كما أن مدلول بعد متأخر. الآخرة تأنيث الآخر مقابل الأول وأصل الوصف ﴿تِلْكَ الدَّارُ الاخِرَةُ﴾، ﴿وَلَدَارُ الاخِرَةِ﴾، ثم صارت من الصفات الغالبة، والجمهور على تسكين لام التعريف وإقرار الهمزة التي تكون بعدها للقطع، وورش يحذف وينقل الحركة إلى اللام. الإيقان : التحقق للشيء لسكونه ووضوحه، يقال يقن الماء سكن وظهر ما تحته، وافعل بمعنى استفعل كابل بمعى استبل. وقرأ الجمهور :﴿بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ﴾ مبنياً للمفعول، وقرأهما النخعي وأبو حيوة ويزيد بن قطيب مبنياً للفاعل. وقرىء شاذاً بما أنزل إليك بتشديد اللام، ووجه ذلك أنه أسكن لام أنزل كما أسكن وضاح آخر الماضي في قوله :
٤١
إنما شعري قيد، قد خلط بخلجان
ثم حذف همزة إلى ونقل كسرتها إلى لام أنزل فالتقى المثلان من كلمتين، والإدغام جائز فأدغم. وقرأ الجمهور : يوقنون بواو ساكنة بعد الياء وهي مبدلة من ياء لأنه من أيقن. وقرأ أبو حية النمري بهمزة ساكنة بدل الواو، كما قال الشاعر :
لحب المؤقذان إلى موسىوجعدة إذ أضاءهما الوقود
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٢
وذكر أصحابنا أن هذا يكون في الضرورة، ووجهت هذه القراءة بأن هذه الواو لما جاورت المضموم فكان الضمة فيها، وهم يبدلون من الواو المضمومة همزة، قالوا وفي وجوه ووقتت أجوه وأقتت، فأبدلوا من هذه همزة، إذ قدروا الضمة فيها وإعادة الموصول بحرف العطف يحتمل المغايرة في الذات وهو الأصل، فيحتمل أن يراد مؤمنوا أهل الكتاب لإيمانهم بكل وحي، فإن جعلت الموصول معطوفاً على الموصول اندرجوا في جملة المتقين، إن لم يرد بالمتقين بوصفه مؤمنوا العرب، وذلك لانقسام المتقين إلى القسمين. وإن جعلته معطوفاً على المتقين لم يندرج لأنه إذ ذاك قسيم لمن له الهدى لا قسم من المتقين. ويحتمل المغايرة في الوصف، فتكون الواو للجمع بين الصفات، ولا تغاير في الذواب بالنسبة للعطف وحذف الفاعل في قراءة الجمهور، وبني الفعلان للمفعول للعلم بالفاعل، نحو : أنزل المطر، وبناؤهما للفاعل في قراءة النخعي، وأبي حيوة، ويزيد بن قطيب، فاعله مضمر، قيل : الله أو جبريل. قالوا : وقوة الكلام تدل على ذلك وهو عندي من الالتفات لأنه تقدم قوله :﴿وَمِمَّآ﴾، فخرج من ضمير المتكلم إلى ضمير الغيبة، إذ لو جرى على الأول لجاء ﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِا أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَن يُنَزِّلَ اللَّهُ مِن فَضْلِهِا عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِا فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍا وَلِلْكَـافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ءَامِنُوا بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَآءَه وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُم قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنابِيَآءَ اللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَلَقَدْ جَآءَكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَـاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنا بَعْدِهِا وَأَنتُمْ ظَـالِمُونَ * وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَـاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَآ ءَاتَيْنَـاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِى قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِم قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِا إِيمَـانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الاخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ * وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدَا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِم وَاللَّهُ عَلِيمُا بِالظَّـالِمِينَ * وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَواةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِا مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَا وَاللَّهُ بَصِيرُا بِمَا يَعْمَلُونَ * قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّه نَزَّلَه عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلـا ـاِكَتِهِا وَرُسُلِهِا وَجِبْرِيلَ وَمِيكَـالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَـافِرِينَ * وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ﴾، ﴿وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ﴾، وجعل صلة ما الأولى ماضية لأن أكثره كان نزل بمكة والمدينة، فأقام الأكثر مقام الجميع، أو غلب الموجود لأن الإيمان بالمتقدم الماضي يتقتصي الإيمان بالمتأخر، لأن موجب الإيمان واحد. وأما صلة الثانية فمتحققة المضي ولم يعد حرف الجر فيما الثانية ليدل أنه إيمان واحد، إذ لو أعاد لأشعر بأنهما إيمانان.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٢


الصفحة التالية
Icon