التقدير : عنده والذين ظلموا، ودار مروان والفرقدان وإثبات إلا بمعنى الواو، لا يقوم عليه دليل، والاستثناء سائغ فيما ادّعى فيه أن إلا بمعنى الواو، وكان أبو عبيدة يضعف في النحو. وقال الزجاج : هذا خطأ عند حذاق النحويين، وأضعف من هذا زعم أن إلا بمعنى بعد، أي بعد الذين ظلموا، وجعل من ذلك ﴿إِلا مَا قَدْ سَلَفَ﴾، أي بعد ما قد سلف، و﴿إِلا الْمَوْتَةَ الاولَى ﴾، أي بعد الموتة الأولى، ولولا أن بعض المفسرين ذكر هذين القولين، ما ذكرتهما لضعفهما. ﴿فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِى﴾ : هذا فيه تحقير لشأنهم، وأمر باطراحهم، ومراعاة لأمره تعالى. وضمير المفعول في فلا تخشوهم يحتمل أن يعود على الناس، أي فلا تخشوا الناس، وأن يعود على الذين ظلموا، أي فلا تخشوا الظالمين. ونهى عن خشيتهم فيما يزخرفونه من الكلام الباطل، فإنهم لا يقدرون على نفع ولا ضر. وأمر بخشيته هو في ترك ما أمرهم به من التوجه إلى المسجد الحرام. وقيل : المعنى فلا تخشوهم في المباينة، واخشوني في المخالفة، ومعناه قريب من الأول. وقد ذكرنا شرح هاتين الجملتين في ذكر قراءة ابن عباس بقريب من هذا. وقال السدي : معناه لا تخشوا أن أردّكم في دينكم واخشوني، وهذا الذي قاله لا يساعده قوله : فلا تخشوهم. قال بعضهم : ذكر الخشية هنا ولم يذكر الخوف، لأن الخشية حذر من أمر قد وقع، والخوف حذر من أمر لم يقع. والذي تدل عليه اللغة والاستعمال أن الخشية والخوف مترادفان، وقال تعالى :﴿فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ﴾، كما قال هنا :﴿فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِى﴾.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤١٧
﴿وَلاتِمَّ نِعْمَتِى عَلَيْكُمْ﴾ : الظاهر أنه معطوف
٤٤٢
على قوله :﴿لِئَلا يَكُونَ﴾، وكان المعنى : عرفناكم وجه الصواب في قبلتكم، والحجة لكم لانتفاء حجج الناس عليكم، ولإتمام النعمة، فيكون التعريف معللاً بهاتين العلتين، والفصل بالاستثناء وما بعده كلا فصل، إذ هو من متعلق العلة الأولى. وقيل : هو معطوف على علة محذوفة، وكلاهما معلولهما الخشية السابقة، كأنه قيل : واخشوني لأوقفكم ولأتمّ نعمتي عليكم. وقيل : تتعلق اللام بفعل مؤخر، التقدير : ولأتمّ نعمتي عليكم عرفتكم قبلتي، ومن زعم أن الواو زائدة، فقوله ضعيف. وإتمام النعمة بما هداهم إليه من القبلة، أو بما أعدّه لهم من ثواب الطاعة، أو بما حصل للعرب من الشرف بتحويل القبلة إلى الكعبة، أو بإبطال حجج المحتجين عليهم، أو بإدخالهم الجنة، أو بالموت على الإسلام، أو النعمة سنة الإسلام، والقرآن، ومحمد صلى الله عليه وسلّم، والستر، والعافية، والغنى عن الناس ؛ أو بشرائع الملة الحنيفية، أقوال ثمانية صدرت مصدر المثال، لا مصدر التعيين، وكل فيها نعمة. ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ : تقدم القول في لعل بالنسبة إلى مجيئها من الله تعالى في قوله :﴿وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، في أول البقرة، وهو أول مواقعها فيه. والمعنى : لتكونوا على رجاء إدامة هدايتي إياكم على استقبال الكعبة، أو لكي تهتدوا إلى قبلة أبيكم إبراهيم، والظاهر رجاء الهداية مطلقاً.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤١٧
﴿كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ﴾ : الكاف هنا للتشبيه، وهي في موضع نصب على أنها نعت لمصدر محذوف. واختلف في تقديره، فقيل التقدير : ولأتم نعمتي عليكم إتماماً مثل إتمام إرسال فيكم. ومتعلق الإتمامين مختلف، فالإتمام الأول بالثواب في الآخرة، والإتمام الثاني بإرسال الرسول إلينا في الدنيا. أو الإتمام الأول بإجابة الدعوة الأولى لإبراهيم في قوله :﴿وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ﴾، والإتمام الثاني بإجابة الدعوة الثانية في قوله :﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِّنْهُمْ﴾، وقيل : التقدير : ولعلكم تهتدون اهتداء مثل إرسالنا فيكم رسولاً، ويكون تشبيه الهداية بالإرسال في التحقق والثبوت، أي اهتداء ثابتاً متحققاً، كتحقق إرسالنا فيكم رسولاً، ويكون تشبيه الهداية بالإرسال في التحقق والثبوت، أي اهتداء ثابتاً متحققاً، كتحقق إرسالنا وثبوته. وقيل : متعلق بقوله :﴿وَكَذَالِكَ جَعَلْنَـاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾، أي جعلاً مثل ما أرسلنا، وهو قول أبي مسلم، وهذا بعيد جدًّا، لكثرة الفصل المؤذن بالانقطاع. وقيل : الكاف في موضع نصب على الحال من نعمتي، أي :﴿وَلاتِمَّ نِعْمَتِى عَلَيْكُمْ﴾ مشبهة إرسالنا فيكم رسولاً، أي مشبهة نعمة الإرسال، فيكون على حذف مضاف. وقيل : الكاف منقطعة من الكلام قبلها، ومتعلقة بالكلام بعدها، والتقدير : قال الزمخشري : كما
٤٤٣


الصفحة التالية
Icon