عليكم. وقد جاء هذا المعنى في الحديث الطويل في قوله صلى الله عليه وسلّم :"إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر". وفيه : ما يقول عبادي ؟ قالوا :"يسبحونك ويحمدونك ويمجدونك". وقيل : هو على حذف مضاف، أي اذكروا نعمتي أذكركم بالزيادة. وقد جاء التصريح بالنعمة في قوله :﴿اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ﴾. وقيل : الذكر باللسان وبالقلب عند الأوامر والنواهي. وقيل : اذكروني بتوحيدي وتصديق نبيي. وقيل : بما فرضت عليكم، أو ندبتكم إليه، أذكركم، أي أجازكم على ذلك. وقد تقدم معنى هذا، وهو قول سعيد، فاذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب. وقيل : فاذكروني في الرخاء بالطاعة والدعاء، أذكركم في البلاء بالعطية والنعماء، قاله ابن بجر. وقيل : اذكروني بالسؤال أذكركم بالنوال، أو اذكروني بالتوبة أذكركم بالعفو عن الحوبة، أو اذكروني في الدنيا أذكركم في الآخرة، أو اذكروني في الخلوات أذكركم في الفلوات، أو اذكروني بمحامدي أذكركم بهدايتي، أو اذكروني بالصدق والإخلاص أذكركم بالخلاص ومزيد الاختصاص، أو اذكروني بالموافقات أذكركم بالكرامات، أو اذكروني بترك كل حظ أذكركم بأن أقيمكم بحقي بعد فنائكم عنكم، أو اذكروني بقطع العلائق أذكركم بنعت الحقائق، أو اذكروني لمن لقيتموه أذكركم لكل من خاطبته، قال : ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، أو اذكروني أذكركم، أحبوني أحبكم، أو اذكروني بالتذلل أذكركم بالتفضل، أو اذكروني بقلوبكم أذكركم بتحقيق مطلوبكم، أو اذكروني على الباب من حيث الخدمة أذكركم على بساط القرب بإكمال النعمة، أو اذكروني بتصفية السرد أذكركم بتوفية البر، أو اذكروني في حال سروركم أذكركم في قبوركم، أو اذكروني وأنتم بوصف السلامة أذكركم يوم القيامة يوم لا تنفع الندامة، أو اذكروني بالرهبة أذكركم بالرغبة. وقال القشيري : فاذكروني أذكركم، الذكر استغراق الذاكر في شهود المذكور، ثم استهلاكه في وجود المذكور حتى لا يبقى منه إلا أثر يذكر، فيقال : قد كان فلان. قال تعالى :﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَالِكَ مُحْسِنِينَ﴾. وإنما الدنيا حديث حسن فكن حديثاً حسناً لمن وعى، قال الشاعر :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤١٧
إنما الدنيا محاسنهاطيب ما يبقى من الخبر
وفي المنتخب ما ملخصه : الذكر يكون باللسان، وهو : الحمد، والتسبيح، والتمجيد، وقراءة كتب الله ؛ وبالقلب، وهو : الفكر في الدلائل الدالة على التكاليف، والأحكام، والأمر، والنهي، والوعد، والوعيد، والفكر في الصفات الإلهية، والفكر في أسرار مخلوقات الله تعالى حتى تصير كل ذرة كالمرآة المجلوة المحاذية لعالم التقديس، فإذا نظر العبد إليها، انعكس شعاع بصره منها إلى عالم الجلال، وبالجوارح، بأن تكون مستغرقة في الأعمال المأمور بها، خالية عن الأعمال المنهي عنها. وعلى هذا الوجه، سمى الله الصلاة ذكراً بقوله :﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾. انتهى. وقالوا : الذكر هو تنبيه القلب للمذكور والتيقظ له، وأطلق على اللسان لدلالته على ذلك. ولما كثر إطلاقه عليه، صار هو السابق إلى الفهم. فالذكر باللسان سريّ وجهريّ، والذكر بالقلب دائم ومتحلل، وبهما أيضاً دائم ومتحلل. فباللسان ذكر عامّة المؤمنين، وهو أدنى مراتب الذكر، وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلّم "ذكراً". خرج ابن ماجة أن أعرابياً قال : يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ، فأنبئني منها بشيء أتشبث به، قال :"لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله"، وخرج أيضاً قال :"يقول الله تعالى أنا مع عبدي إذ هو ذكرني وتحركت بي شفتاه". وسئل أبو عثمان، فقيل له : نذكر الله ولا نجد في قلوبنا حلاوة، فقال : احمدوا الله على أن زين جارحة من جوارحكم بطاعته، وبالقلب هو ذكر العارفين وخواص المؤمنين، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلّم
٤٤٦
ذكراً، ومعناه استقرار الذكر فيه حتى لا يخطر فيه غير المذكور : قال الشاعر :
سواك ببالي لا يخطرإذا ما نسيتك من أذكر
وبهما : هو ذكر خواص المؤمنين، وهذه ثلاث المقامات، أدومها أفضلها. انتهى.