وهذه الآية لها تعلق بقوله :﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَواةِ﴾ الآية، وقبلها :﴿وَاشْكُرُوا لِي﴾، والشكر يوجب زيادة النعم، والابتلاء بما ذكر ينافيه ظاهرا، وتوجيه أن إتمام الشرائع إتمام للنعمة ولذلك يوجب الشكر والقيام بتلك الشرائع لا يمكن إلا بتحمل المشاق، فأمر فيها بالصبر، وأنه أنعم عليه أولاً فشكر، وابتلي ثانياً فصبر، لينال درجتي الشكر والصبر، فيكمل إيمانه. كما روي عنه عليه السلام :"الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر". بشيء : متعلق بقوله :﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم﴾، والباء فيه للإلصاق، وأفرده ليدل على التقليل، إذ لو جمعه فقال : بأشياء، لاحتمل أن تكون ضروباً من كل واحد مما بعده. وقد قرأ الضحاك : بأشياء، فلا يكون حذف فيما بعدها، فيكون من في موضع الصفة، بخلاف قراءة الجمهور : بشيء، فلا بد من تقدير حذف أي شء من الخوف، وشيء من الجوع، وشيء من نقص. والمعنى في هذه القراءة : ولنبلونكم بطرف من كذا وكذا. والخوف : خوف العدو، قاله ابن عباس، وقد حصل الخوف الشديد في وقعة الأحزاب. وقال الشافعي : هو خوف الله تعالى. والجوع : القحط، قاله ابن عباس، عبر بالمسبب عن السبب. وقيل : الجوع : الفقر، عبر بالمسبب عن السبب أيضاً. وقال الشافعي : هو صيام شهر رمضان. ونقص من الأموال : بالخسران والهلاك. وقال الشافعي : بالصدقات. والأنفس : بالقتل والموت. وقال الشافعي : بالأمراض، وقيل : بالشيب. والثمرات : يعني الجوائح في الثمرات، وقلة النبات، وانقطاع البركات. وقال القفال : قد يكون نقصها بالجدوب، وقد يكون بترك عمارة الضياع للاشتغال بالجهاد، وقد يكون بالإنفاق على من يرد من الوفود على رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وقيل : بظهور العدوّ عليهم. وقال الشافعي : والثمرات : موت الأولاد، لأن ولد الرجل ثمرة قلبه. وفي حديث أبي موسى، أن الله يقول للملائكة إذا مات ولد العبد : أقبضتم ثمرة فؤاده ؟.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤١٧
وقال بعض العلماء : المراد في هذه الآية : مؤن الجهاد وكلفه، فالخوف من العدوّ، والجوع به وبالأسفار إليه، ونقص الأموال بالنفقات فيه، والأنفس بالقتل، والثمرات بإصابة العدوّ لها، أو الغفلة عنها بسبب الجهاد. انتهى كلامه. وعطف ونقص على قوله : بشيء، أي : ولنمتحننكم بشيء من الخوف والجوع وبنقص، ويحسن العطف تنكيرها، على أنه يحتمل أن يكون معطوفاً على الخوف والجوع فيكون تقديره : وشيء من نقص. ومن الأموال : متعلق بنقص، لأنه مصدر نقص، وهو يتعدّى إلى واحد، وقد حذف، أي : ونقص شيء. ويحتمل أن يكون في موضع الصفة لنقص. وتكون من لابتداء الغاية. ويحتمل أن يكون في موضع الصفة لذلك المحذوف، أي ونقص شيء من الأموال، وتكون من إذ ذاك للتبعيض. وقالوا : يجوز أن تكون من عند الأخفش زائدة، أي ونقص الأموال والأنفس والثمرات. وأتى بالجملة الخبرية مقسماً عليها، تأكيداً لوقوع الابتلاء، وإسناد الفعل إليه صريح في إضافة أسباب البلايا إليه. وأن هذه المحن من الله تعالى، ووعده بها المؤمنين يدل على أنها ليست عقوبات، بل إذا قارنها الصبر أفادت درجة عالية في الدين. وجاء هذا الترتيب في العطف على سبيل الترقي : فأخبر أولاً بالابتلاء بشيء من الخوف، وهو توقع ما يرد من المكروه. ثم انتقل منه إلى الابتلاء بشيء من الجوع، وهو أشد من الخوف بأي تفسير فسر به من القحط، أو الفقر، أو الحاجة إلى الأكل، إلا على تفسير الشافعي، وهو صوم رمضان. ولا ترقي بين نقص وشيء، على ما اختاره من عطف نقص على بشيء، بل الترقي في العطف بعدو نقص، فبدأ أولاً بالأموال، ثم ترقي إلى الأنفس. وأما والثمرات، فجاء كالتخصيص بعد التعميم، لأنها تندرج تحت الأموال، فلا ترقي فيها.
﴿وَبَشِّرِ الصَّـابِرِينَ﴾ : خطاب للنبي صلى الله عليه وسلّم، أو لكل من تتأتى منه البشارة، أي على الجهاد بالنصر، أو على الطاعة بالجزاء،
٤٥٠


الصفحة التالية
Icon