﴿أُوالَـا ئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾، أولئك مبتدأ، وصلوات : ارتفاعها على الفاعل بالجار والمجرور، أي : أولئك مستقرة عليهم صلوات، فيكون قد أخبر عن المبتدأ بالمفرد، وهذا أولى من جعل صلوات مبتدأ، والجار والمجرور في موضع خبره. والجملة في موضع خبر المبتدأ الأول، لأنه يكون إخباراً عن المبتدأ بالجملة. والصلاة : من الله المغفرة، قاله ابن عباس ؛ أو الثناء، قاله ابن كيسان، أو الغفران والثناء الحسن، قاله الزجاج. والرحمة : قيل هي الصلوات، كررت تأكيداً لما اختلف اللفظ، كقوله ﴿رَأْفَةً وَرَحْمَةً﴾. وقيل : الرحمة : كشف الكربة وقضاء الحاجة. وقال عمر : نعم العدلان ونعم العلاوة، وتلا :﴿الَّذِينَ إِذَآ أَصَـابَتْهُم﴾ الآية، يعني بالعدلين : الصلوات والرحمة، وبالعلاوة : الاهتداء. وفي قوله : أولئك، اسم الإشارة الموضوع للبعد دلالة على بعد هذه الرتبة، كما جاء :﴿أُوالَئاِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ﴾. والكناية عن حصول الغفران والثناء بقوله :﴿عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ﴾ بحرف على، إشارة إلى أنهم منغمسون في ذلك، قد غشيتهم وتجللتهم، وهو أبلغ من قوله لهم. وجمع صلوات، ليدل على أن ذلك ليس مطلق صلاة، بل صلاة بعد صلاة، ونكرت لأنه لا يراد العموم. ووصفها بكونها من ربهم، ليدل بمن على ابتدائها من الله، أي تنشأ تلك الصلوات وتبتدىء من الله تعالى. ويحتمل أن تكون من تبعيضية، فيكون ثم حذف مضاف، أي صلوات من صلوات ربهم. وأتى بلفظ الرب، لما فيه من دلالة التربية والنظر للعبد فيما يصلحه ويربه به. وإن كان أريد بالرحمة الصلوات، فلا يحتاج إلى تقييد بصفة محذوفة، لأنها قد تقيدت. وإن كان أريد بها ما يغاير الصلوات، فيقدر : ورحمة منه، فيكون قد حذفت الصفة لما تقدم. ويحتمل أن يكون :﴿مِن رَّبِّهِمْ﴾، متعلقاً بقوله :﴿عَلَيْهِمْ﴾، فلا يكون صفة، بل يكون معمولاً للرافع لصلوات، وترتب على مقام الصبر. ومقال هذه الكلمات الدالة على التفويض لله تعالى، هذا الجزاء الجزيل والثناء الجميل.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤١٧
وقد جاء في السنة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال :"من استرجع عند المصيبة، جبر الله مصيبته، وأحسن عقباه، وجعل له خلفاً صالحاً يرضاه". وفي حديث آخر :"من تذكر مصيبته، فأحدث استرجاعاً، وإن تقادم عهدها، كتب الله له من الأجر مثله يوم أصيب". وحديث أم سلمة مشهور، حيث أخلفها الله عن أبي سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وقال ابن جبير : ما أعطى أحد في المصيبة ما أعطيت هذه الأمة، ولو أعطيها أحد قبلها لأعطيها يعقوب. ألا ترى كيف قال حين فقد يوسف ؟ ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ﴾.
﴿وَأُوالَـا ئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ : إخبار من الله عنهم بالهداية، ومن أخبر الله عنه بالهداية فلن يضل أبداً. وهذه جملة ثابتة تدل على الاعتناء بأمر المخبر عنه، إذ كل وصف له يبرز في جملة مستقلة. وبدىء بالجملة الأولى لأنها أهم في حصول الثواب المترتب على الوصف الذي قبله، وأخرت هذه لأنها تنزلت مما قبلها منزلة العلة، لأن ذلك القول المترتب عليه ذلك الجزاء الجزيل لا يصدر إلا عمن سبقت هدايته. وأكد بقوله : هم. وبالألف واللام، كأن الهداية انحصرت فيهم وباسم الفاعل، ليدل على الثبوت، لأن الهداية ليست من الأفعالالمتجددة وقتاً بعد وقت فيخبر عنها بالفعل، بل هي وصف ثابت. وقيل : المهتدون في استحقاق الثواب وإجزال الأجر. وقيل : إلى تسهيل المصاب وتخفيف الحزن. وقيل : إلى الاسترجاع. وقيل : إلى الحق والصواب، وهذه التقييدات لا دلالة عليها في
٤٥٢
اللفظ، فالأولى الحمل على الهداية التي هي الإيمان، ونظير هاتين الجملتين قوله ﴿أُوالَئاِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِم وَأُوالَئاِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. والكلام في إعراب : هم المهتدون، كالكلام على : المفلحون، وقد تقدم.


الصفحة التالية
Icon