﴿خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ : أي في اللعنة، وهو الظاهر، إذ لم يتقدم ما يعود عليها في اللفظ إلا اللعنة. وقيل : يعود على النار، أضمرت لدلالة المعنى عليها، ولكثرة ما جاء في القرآن من قوله : خالدين فيها، وهو عائد على النار، ولدلالة اللعنة على النار، لأن كل من لعنة الله فهو في النار. ﴿لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ﴾ : سبق الكلام على مثل هاتين الجملتين تلو قوله ﴿أُوالَا ئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَواةَ الدُّنْيَا بِالاخِرَةِا فَلا يُخَفَّفُ﴾، الآية، فأغنى عن إعادته هنا. إلا أن الجملة من قوله :﴿لا يُخَفَّفُ﴾ هي في موضع نصب من الضمير المستكن في خالدين، أي غير مخفف عنهم العذاب. فهي حال متداخلة، أي حال من حال، لأن خالدين حال من الضمير في عليهم. ومن أجاز تعدي العامل إلى حالين لذي حال واحد، أجاز أن تكون الجملة من قوله :﴿لا يُخَفَّفُ﴾، حال من الضمير في عليهم، ويجوز أن تكون : لا يخفف جملة استئنافية، فلا موضع لها من الإعراب. وفي آخر الجملة الثانية، هناك : ولا ينصرون، نفى عنهم النصر، وهنا : ولا هم ينظرون، نفي الأنظار، وهو تأخير العذاب.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٥٣
﴿ وَإِلَهُكُمْ إله وَاحِدٌ﴾ الآية. روي عن ابن عباس أنها نزلت في كفار قريش، قالوا : يا محمد، صف وانسب لنا ربك، فنزلت سورة الإخلاص وهذه الآية. وروي عنه أيضاً أنه كان في الكعبة، وقيل حولها، ثلاثمائة وستون صنماً يعبدونها من دون الله، فنزلت. وظاهر الخطاب أنه لجميع المخلوقات المتصور منهم العبادة، فهو إعلام لهم بوحدانية الله تعالى. ويحتمل أن يكون خطاباً لمن قال : صف لنا ربك وانسبه، أو خطاباً لمن يعبد مع الله غيره من صنم ووثن ونار. وإله : خبر عن إلهكم، وواحد : صفته، وهو الخبر في المعنى لجواز الاستغناء عن إله، ومنع الاقتصار عليه، فهو شبيه بالحال الموطئة، كقولك : مررت بزيد رجلاً صالحاً. والواحد المراد به نفي النظير، أو القديم الذي لم يكن معه في الأزل شيء، أو الذي لا أبعاض له ولا أجزاء، أو المتوحد في استحقاق العبادة. أقوال أربعة أظهرها الأول. تقول : فلان واحد في عصره، أي لا نظير له ولا شبيه، وليس المعنى هنا بواحد مبدأ العدد.
﴿لا إله إِلا هُوَ﴾ : توكيد لمعنى الوحدانية ونفي الإلهية عن غيره. وهي جملة جاءت لنفي كل فرد فرد من الآلهة، ثم حصر ذلك المعنى فيه تبارك وتعالى، فدلت الآية الأولى على نسبة الواحدية إليه تعالى،
٤٦٢
ودلت الثانية على حصر الإلهية فيه من اللفظ الناص على ذلك، وإن كانت الآية الأولى تستلزم ذلك، لأن من ثبتت له الواحدية ثبتت له الإلهية. وتقدم الكلام على إعراب الإسم بعد لا في قوله :﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾، والخبر محذوف، وهو بدل من اسم لا على الموضع، ولا يجوز أن يكون خبراً. كما جاز ذلك في قولك : زيد ما العالم إلا هو، لأن لا لا تعمل في المعارف، هذا إذا فرعنا على أن الخبر بعد لا التي يبني الإسم معها هو مرفوع بها، وأما إذا فرعنا على أن الخبر ليس مرفوعاً بها، بل هو خبر المبتدأ الذي هو لا مع المبني معها، وهو مذهب سيبويه، فلا يجوز أيضاً، لأنه يلزم من ذلك جعل المبتدأ نكرة، والخبر معرفة، وهو عكس ما استقر في اللسان العربي. وتقرير البدل فيه أيضاً مشكل على قولهم : إنه بدل من إله، لأنه لا يمكن أن يكون على تقدير تكرار العامل، لا تقول : لا رجل إلا زيد. والذي يظهر لي فيه أنه ليس بدلاً من إله ولا من رجل في قولك : لا رجل إلا زيد، إنما هو بدل من الضمير المستكن في الخبر المحذوف، فإذا قلنا : لا رجل إلا زيد، فالتقدير : لا رجل كائن أو موجود إلا زيد. كما تقول : ما أحد يقوم إلا زيد، فزيد بدل من الضمير في يقوم لا من أحد، وعلى هذا يتمشى ما ورد من هذا الباب، فليس بدلاً على موضع اسم لا، وإنما هو بدل مرفوع من ضمير مرفوع، ذلك الضمير هو عائد على اسم لا. ولولا تصريح النحويين أنه يدل على الموضع من اسم لا، لتأوّلنا كلامهم على أنهم يريدون بقولهم بدل من اسم لا، أي من الضمير العائد على اسم لا. قال بعضهم : وقد ذكر أن هو بدل من إله على المحل، قال : ولا يجوز فيه النصب هاهنا، لأن الرفع يدل على الاعتماد على الثاني، والمعنى في الآية على ذلك، والنصب على أن الاعتماد على الأول. انتهى كلامه. ولا فرق في المعنى بين : ما قام القوم إلا زيد، وإلا زيداً، من حيث أن زيداً مستثنى من جهة المعنى. إلا أنهم فرقوا من حيث الإعراب، فأعربوا ما كان تابعاً لما قبله بدلاً، وأعربوا هذا منصوباً على الاستثناء، غير أن الإتباع أولى للمشاكلة اللفظية، والنصب جائز، ولا نعلم في ذلك خلافاً.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٥٣


الصفحة التالية
Icon