﴿وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَـانِ﴾ وقرأ ابن عامر والكسائي وقنبل وحفص وعباس، عن أبي عمرو والبرجمي، عن أبي بكر : بضم الخاء والطاء وبالواو. وقرأ باقي السبعة : بضم الخاء وإسكان الطاء وبالواو. وقرأ أبو السمال : خطوات، بضم الخاء وفتح الطاء وبالواو. وقد تقدم أن هذه لغى ثلاث في جمع خطوة. ونقل ابن عطية والسجاوندي أن أبا السمال قرأ : خطوات، بفتح الخاء والطاء وبالواو، جمع خطوة، وهي المرة من الخطو. وقرأ علي وقتادة والأعمش وسلام : خطؤات، بضم الخاء والطاء والهمزة، واختلف في توجيه هذه القراءة فقيل : الهمزة أصل، وهو من الخطأ جمع خطأة، إن كان سمع، وإلا فتقديراً. وممن قال إنه من الخطأ أبو الحسن الأخفش، وفسره مجاهد خطاياه، وتفسيره يحتمل أن يكون فسر بالمرادف، أو فسر بالمعنى. وقيل : هو جمع خطوة، لكنه توهم ضمة الطاء أنها على الواو فهمز، لأن مثل ذلك قد يهمز. قال معناه الزمخشري : والنهي عن اتباع خطوات الشيطان كناية عن ترك الاقتداء به، وعن اتباع ما سنّ من المعاصي. يقال : اتبع زيد خطوات عمرو ووطىء على عقبيه، إذ سلك مسلكه في أحواله. قال ابن عباس : خطواته أعماله. وقال مجاهد : خطاياه. وقال السدي : طاعته. وقال أبو مجلز : النذور في المعاصي. وقيل : ما ينقلهم إليه من معصية إلى معصية، حتى يستوعبوا جميع المعاصي، مأخوذ من خطو القدم من مكان إلى مكان. وقال الزجاج وابن قتيبة : طرقه. وقال أبو عبيدة : محقرات الذنوب. وقال المؤرّخ آثاره وقال عطاء : زلاته، وهذه أقوال متقاربة المعنى صدرت من قائلها على سبيل التمثيل. والمعنى بها كلها النهي عن معصية الله، وكأنه تعالى لما أباح لهم الأكل من الحلال الطيب، نهاهم عن معاصي الله وعن التخطي إلى أكل الحرام، لأن الشيطان يلقي إلى المرء ما يجري مجرى الشبهة، فيزين بذلك ما لا يحل، فزجر الله عن ذلك. والشيطان هنا إبليس، والنهي عنا عن اتباع كل فرد فرد من المعاصي، لا أن ذلك يفيد الجمع، فلا يكون نهياً عن المفرد.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٧٧
﴿إِنَّه لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ : تعليل لسبب هذا التحذير من اتباع الشيطان، لأن من ظهرت عداوته واستبانت، فهو جدير بأن لا يتبع في شيء وأن يفرّ منه، فإنه ليس له فكر إلا في إرداء عدوه.
﴿إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّواءِ وَالْفَحْشَآءِ﴾ : لما خبرته أنه عدوّ، أخذ يذكر ثمرة العداوة وما نشأ عنها، وهو أمره بما ذكر.
٤٧٩
وقد تقدم الكلام في إنما في قوله :﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾. وفي الخلاف فيها، أتفيد الحصر أم لا ؟ وأمر الشيطان، إما بقوله في زمن الكهنة وحيث يتصور، وإما بوسوسته وإغوائه. فإذا أطيع، نفذ أمره بالسوء، أي بما يسوء في العقبى. وقال ابن عباس : السوء ما لا حد له. والفحشاء، قال السدي : هي الزنا. وقال ابن عباس : كل ما بلغ حداً من الحدود لأنه يتفاحش حينئذ. وقيل : ما تفاحش ذكره. وقيل : ما قبح قولاً أو فعلاً. وقال طاوس : ما لا يعرف في شريعتة ولا سنة. وقال عطاء : هي البخل.
﴿وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾، قال الطبري : يريد به ما حرموا من البحيرة والسائبة ونحوه، وجعلوه شرعاً. وقال الزمخشري : هو قولهم هذا حلال وهذا حرام بغير علم، ويدخل فيه كل ما يضاف إلى الله مما لا يجوز عليه. انتهى. قيل : وظاهر هذا تحريم القول في دين الله بما لا يعلمه القائل من دين الله، فيدخل في ذلك الرأي والأقيسة والشبهية والاستحسان. قالوا : وفي هذه الآية إشارة إلى ذمّ من قلد الجاهل واتبع حكمه. قال الزمخشري : فإن قلت : كيف كان الشيطان آمراً مع قوله :﴿لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـانٌ﴾ ؟ قلت : شبه تزيينه وبعثه على الشر بأمر الآمر، كما تقول : أمرتني نفسي بكذا، وتحته رمز إلى أنكم فيه بمنزلة المأمورين لطاعتكم له وقبولكم وساوسه، ولذلك قال :﴿وَلامُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ الانْعَـامِ﴾ ﴿وَلامُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾. وقال الله تعالى :﴿إِنَّ النَّفْسَ لامَّارَةُا بِالسُّواءِ﴾ لما كان الإنسان يطعمها ويعطيها ما اشتهت. انتهى كلامه.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٧٧


الصفحة التالية
Icon