﴿أُوالَئاِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَـالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَـارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾، الاشتراء والشراء بمعنى : الاستبدال بالشيء والاعتياض منه، إلا أن الاشتراء يستعمل في الابتياع والبيع، وهو مما جاء فيه افتعل بمعنى الفعل المجرد، وهو أحد المعاني التي جاء لها افتعل. الربح : هو ما يحصل من الزيادة على رأس المال. التجارة : هي صناعة التاجر، وهو الذي يتصرف في المال لطلب النموّ والزيادة. المهتدي : اسم فاعل من اهتدى وافتعل فيه للمطاوعة، هديته فاهتدى، نحو : سويته فاستوى، وغممته فاغتم. والمطاوعة أحد المعاني التي جاءت لها افعل، ولا تكون افتعل للمطاوعة مبنية إلا من الفعل المتعَدّي، وقد وهم من زعم أنها تكون من اللازم، وأن ذلك قليل فيها، مستدلاً بقول الشاعر :
حتى إذا اشتال سهيل في السحركشعلة القابس ترمي بالشرر
لأن افتعل في البيت بمعنى، فعل. تقول : شال يشول، واشتال يشتال بمعنى واحد، ولا تتعقل المطاوعة، إلا بأن يكون المطاوع متعدياً.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٠
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا ﴾ جملة شرطية، ويحتمل أن تكون من باب عطف الجمل استئنافاً ينعي عليهم قبائح أفعالهم وأقوالهم، ويحتمل أن يكون كلاماً، وفي الثاني جزء كلام لأنها من تمام الصلة. وأجاز الزمخشري، وأبو البقاء أن تكون معطوفة على يكذبون، فإذ ذاك يكون لها موضع من الإعراب، وهو النصب، لأنها معطوفة على خبر كان، والمعطوف على الخبر خبر، وهي إذ ذاك جزء من السبب الذي استحقوا به العذاب الأليم. وعلى الاحتمالين الأولين لا تكون جزءاً من الكلام، وهذا الوجه الذي أجازاه على حد وجهي ما من قوله بما كانوا يكذبون خطأ، وهو أن تكون ما موصولة بمعنى الذي، وذلك أن المعطوف على الخبر خبر، فيكذبون قد حذف منه العائد على ما، وقوله : وإذا قيل لهم إلى آخر الآية لا ضمير فيه يعود على ما، فبطل أن يكون معطوفاً عليه، إذ يصير التقدير : ولهم عذاب أليم بالذي كانوا، ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِى الارْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾، وهذا كلام غير منتظم لعدم العائد. وأما وجهها الآخر، وهو أن تكون ما مصدرية، فعلى مذهب الأخفش يكون هذا الإعراب أيضاً خطأ، إذ عنده أن ما المصدرية اسم يعود
٦٣
عليها من صلتها ضمير، والجملة المعطوفة عارية منه. وأما على مذهب الجمهور، فهذا الإعراب شائع، ولم يذكر الزمخشري، وأبو البقاء إعراب هذا سوى أن يكون معطوفاً على يكذبون، أو على يقول، وزعماً أن الأول وجه، وقد ذكرنا ما فيه، والذي نختاره الاحتمال الأول، وهو أن تكون الجملة مستأنفة، كما قررناه، إذ هذه الجملة والجملتان بعدها هي من تفاصيل الكذب ونتائج التكذيب. ألا ترى قولهم :﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾، وقولهم :﴿أَنُؤْمِنُ كَمَآ ءَامَنَ السُّفَهَآءُ﴾، وقولهم عند لقاء المؤمنين ﴿مِّنْ﴾ كذب محض ؟ فناسب جعل ذلك جملاً مستقلة ذكرت لإظهار كذبهم ونفاقهم ونسبة السفه للمؤمنين واستهزائهم، فكثر بهذه الجمل واستقلالها ذمهم والرد عليهم، وهذا أولى من جعلها سيقت صلة جزء كلام لأنها إذ ذاك لا تكون مقصودة لذاتها، إنما جيء بها معرفة للموصول إن كان اسماً، ومتممة لمعناه إن كان حرفاً. والجملة بعد إذا في موضع خفض بالإضافة، والعامل فيها عند الجمهور الجواب، فإذا في الآية منصوبة بقوله :﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾. والذي نختاره أن الجملة بعدها تليها هي الناصبة لإذا لأنها شرطية، وأن ما بعدها ليس في موضع خفض بالإضافة، فحكمها حكم الظروف التي يجازى بها وإن قصرت عن عملها الجزم. على أن من النحويين من أجاز الجزم بها حملاً على متى منصوباً بفعل الشرط، فكذلك إذا منصوبة بفعل الشرط بعدها، والذي يفسد مذهب الجمهور جوازا إذا قمت فعمر وقائم، لأن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها، وجواز وقوع إذا الفجائية جواباً لإذا الشرطية، قال تعالى :﴿وَإِذَآ أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّنا بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ﴾ إذا لهم مكر في آياتنا، وما بعد إذا الفجائية لا يعمل فيما قبلها، وحذف فاعل القول هنا للإبهام، فيحتمل أن يكون الله تعالى، أو الرسول صلى الله عليه وسلّم، أو بعض المؤمنين، وكل من هذا قد قيل، والمفعول الذي لم يسم فاعله، فظاهر الكلام أنها الجملة المصدرة بحرف النهي وهي :{لا تفسدوا في الأرض، إلا أن ذلك لا يجوز إلا على مذهب من أجاز وقوع الفاعل جملة، وليس مذهب جمهور البصريين.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٠


الصفحة التالية
Icon