وأما قوله : ونظير ذلك قولهم : واحد اثنان بالقاء حركة الهمزة على الدال، فإن سيبوية ذكر أنهم يشمون آخر واحد لتمكنه، ولم يحك الكسر لغة. فإن صح الكسر فليس واحد موقوفاً عليه، كما زعم الزمخشري، ولا حركته حركة نقل من همزة الوصل، ولكنه موصول بقولهم : إثنان، فالتقى ساكنان، دال، واحد، و: ثاء، إثنين، فكسرت الدال لإلتقائهما، وحذفت الهمزة لأنها لا تثبت في الوصل. وأما ما استدل به الفراء من قولهم : ثلاثة أربعة، بإلقائهم الهمزة على بالهاء، فلا دلالة فيه، لأن همزة أربعة همزة قطع في حال الوصل بما قبلها وابتدائها، وليس كذلك همزة الوصل نحو : من الله، وأيضاً، فقولهم : ثلاثة أربعة بالنقل ليس فيه وقف على ثلاثة، إذ لو وقف عليها لم تكن تقبل الحركة، ولكن أقرت في الوصل هاء اعتباراً بما آلت إليه في حال مّا، لا أنها موقوف عليها.
ثم أورد الزمخشري سؤالاً ثانياً. فقال :
فإن قلت : هلا زعمت أنها حركت لإلتقاء الساكنين ؟.
قلت : لأن إلتقاء الساكنين لا نبالي به في باب الوقف، وذلك كقولك : هذا ابراهيم، وداود، وإسحاق. ولو كان لإلتقاء الساكنين في حال الوقف موجب التحريك لحرك الميمان في ألف لام ميم لإلتقاء الساكنين، ولما انتظر ساكن آخر. إنتهى هذا السؤال وجوابه. وهو سؤال صحيح، وجواب صحيح، لكن الذي قال : إن الحركة هي لإلتقاء الساكنين لا يتوهم أنه أراد التقاء الياء والميم من ألف لام ميم في الوقف، وإنما عنى إلتقاء الساكنين اللذين هما : ميم ميم الأخيرة. و: لام التعريف، كالتقاء نون : من، ولام : الرجل، إذا قلت : من الرجل.
ثم أورد الزمشخري سؤالاً ثالثاً، فقال :
فإن قلت : إنما لم يحركوا لإلتقاء الساكنين في ميم، لأنهم أرادوا
٣٧٥
الوقف، وأمكنهم النطق بساكنين، فإذا جاء بساكن ثالث لم يمكن إلاَّ التحريك فحركوا ؟
قلت : الدليل على أن الحركة ليست الملاقاة الساكن أنهم كان يمكنهم أن يقولوا : واحد اثنان، بسكون الدال مع طرح الهمزة، فجمعوا بين ساكنين، كما قالوا : أصيم ومديق، فلما حركوا الدال علم أن حركتها هي حركة الهمزة الساقطة لا غير، وليست لالتقائ الساكنين. إنتهى هذا السؤال وجوابه. وفي سؤاله تعمية في قوله : فإن قلت : إنما لم يحركوا لالتقاء الساكنين ؟ ويعني بالساكنين : الياء والميم في ميم، وحيئذ يجيء التعليل بقوله : لأنهم أرادوا الوقف وأمكنهم النطق بساكنين، يعني الياء والميم، ثم قال : فإن جاء بساكن ثالث، يعني لام التعريف، لم يمكن إلاَّ التحريك، يعني في الميم، فحركوا يعني : الميم لالتقائها ساكنة مع لام التعريف، إذ لو لم يحركوا لاجتمع ثلاث سواكن، وهو لا يمكن. هذا شرح السؤال.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٧٠
وأما جواب الزمخشري عن سؤاله، فلا يطابق، لأنه استدل على أن الحركة ليست لملاقاة ساكن بامكانية الجمع بين ساكنين في قولهم : واحد اثنان، بأن يسكنوا الدال، والثاء ساكنة، وتسقط الهمزة. فعدلوا عن هذا الإمكان إلى نقل حركة الهمزة إلى الدال، وهذه مكابرة في المحسوس، لا يمكن ذلك أصلاً، ولا هو في قدرة البشر أن يجمعوا في النطق بين سكون الدال وسكون الثاء، وطرح الهمزة.
وأما قوله : فجمعوا بين ساكنين، فلا يمكن الجمع كما قلناه، وأما قوله : كما قالوا : أصيم ومديق، فهذا ممكن كما هو في : راد وضال، لأن في ذلك التقاء الساكنين على حدّهما المشروط في النحو، فأمكن النطق به، وليس مثل : واحد اثنان. لأن الساكن الأول ليس حرف علة، ولا الثاء في مدغم، فلا يمكن الجمع بينهما.
وأما قوله : فلما حركوا الدال علم أن حركتها هي حركة الهمزة الساقطة لا غير، وليست لالتقاء الساكنين، لما بني على أن الجمع بين الساكنين في واحد اثنان ممكن، وحركةا التقاء الساكنين إنما هي لا يمكن أن يجتمعا فيه في اللفظ، ادّعى أن حركة الدال هي حركة الهمزة الساقطة لالتقاء الساكنين، وقد ذكرنا عدم إمكان ذلك، فإن صح كسر الدال، كما نقل هذا الرجل، فتكون حركتها لالتقاء الساكنين لا لنقل، وقد ردّ قول الفراء، واختيار الزمخشري إياه بأن قيل : لا يجوز أن تكون حركة الميم حركة الهمزة ألقيت عليها، لما في ذلك من الفساد والتدافع، وذلك أن سكون آخر ميم إنما هو على نية الوقف عليها، والقاء حركة الهمزة عليها إنما هو على نية الوصل، ونية الوصل توجب حذف الهمزة، ونية الوقف على ما قبلها توجب ثباتها وقطعها، وهذا متناقض. إنتهى. وهو ردّ صحيح.
والذي تحرر في هذه الكلمات : أن العرب متى سردت أسماء مسكنة الآخر وصلاً ووقفاً، فلوا التقى آخر مسكن منها، بساكن آخر، حرك لالتقاء الساكنين. فهذه الحركة التي في ميم : ألم الله، هي حركة التقاء الساكنين.
والكلام على تفسير :﴿الم﴾، تقدم في أول البقرة، واختلاف الناس في ذلك الاختلاف المنتشر الذي لا يوقف منه على شيء يعتمد عليه في تفسيره وتفسير أمثاله من الحروف المقطعة.


الصفحة التالية
Icon