والكلام على :﴿اللَّهُ لا إله إِلا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ﴾ تقدم في آية ﴿ وَإِلَهُكُمْ إله وَاحِدٌا لا إله إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ﴾ وفي أول آية الكرسي، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٧٠
وذكر ابن عطية عن القاضي الجرجاني أنه ذهب في النظم إلى أن أحسن الأقوال هنا أن يكون ﴿الم﴾ إشارة إلى حروف المعجم، كأنه يقول : هذه الحروف كتابك، أو نحو هذا.
﴿اللَّهُ لا إله إِلا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ على ما ترك ذكره، مما هو خبر عن الحروف، قال : وذلك في نظمه مثل قوله :﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَه لِلاسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِا﴾ ترك الجواب لدلالة قوله ﴿فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ عليه، تقديره : كمن قسا قبله ومنه قول الشاعر :
٣٧٦
فلا تدفنوني، إن دفني محرمعليكم، ولكن خامري أم عامر
أي : ولكن اتركوني للتي يقال لها : خامري أم عامر.
قال ابن عطية : يحسن في هذا القول أن يكون نزل خبر قوله : الله، حتى يرتبط الكلام إلى هذا المعنى الذي ذكره الجرجاني، وفيه نظر، لأن مثليته ليست صحيحة الشبه بالمعنى الذي نحا إليه، وما قاله في الآية محتمل، ولكن الآبرع في نظم الآية أن يكون ﴿الم﴾ لا يضم ما بعدها إلى نفسها في المعنى، وأن يكون ﴿اللَّهُ لا إله إِلا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ﴾ كلاماً مبتدأ جزماً، جملة رادّة على نصارى نجران الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فحاجوه في عيسى بن مريم، وقالوا : إنه الله. إنتهى كلامه.
قال ابن كيسان : موضع : ألم، نصب، والتقدير : قرؤوا ألم، و: عليكم ألم. ويجوز أن يكون في موضع رفع بمعنى : هذا ألم، و: ذلك ألم.
وتقدم من قول الجرجاني أن يكون مبتدأ، والخبر محذوف، أي : هذه الحروف كتابك.
وقرأ عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود، وعلقمة بن قيس : القيام. وقال خارجه في مصحف عبد الله : القيم، وروي هذا أيضاً عن علقمة.
﴿اللَّهِ﴾ رفع على الإبتداء، وخبره :﴿لا إله إِلا هُوَ﴾ و﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ خبر بعد خبر، ويحتمل أن يكون : نزل، هو الخبر، و: لا إله إلا هو، جملة اعترض.
وتقدم في آية الكرسي استقصاء إعراب :﴿لا إله إِلا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ﴾ فأغنى عن إعادته هنا.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٧٠
وقال الرازي : مطلع هذه السورة عجيب، لأنهم لما نازعوا كأنه قيل : إما أن تنازعوا في معرفة الله، أو في النبوة، فإن كان الأول فهو باطل، لأن الأدلة العقلية دلت على أنه : حي قيوم، والحي القيوم يستحيل أن يكون له ولد، وإن كان في الثاني فهو باطل، لأن الطريق الذي عرفتم أن الله تعالى أنزل التوراة والإنجيل، هو يعينه قائم هنا، وذلك هو المعجزة.
﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ الكتاب هنا : القرآن، باتفاق المفسرين، وتكرر كثيراً، والمراد القرآن، فصار علماً. بالغلبة. وقرأ الجمهور : نزّل، مشدداً و: الكتاب، بالنصب، وقرأ النخعي، والأعمش، وابن أبي عبلة : نزل، مخففاً، و: الكتابْ، بالرفع، وفي هذه القراءة تحتمل الآية وجهين : أحدهما : أن تكون منقطعة. والثاني : أن تكون متصلة بما قبلها، أي : نزل الكتاب عليك من عنده، وأتى هنا بذكر المنزل عليه، وهو قوله : عليك، ولم يأت بذكر المنزل عليه التوراة، ولا المنزل عليه الإنجيل، تخصيصاً له وتشريفاً بالذكر، وجاء بذكر الخطاب لما في الخطاب من المؤانسة، وأتى بلفظة : على، لما فيها من الاستعلاء. كأن الكتاب تجلله وتغشاه/ صلى الله عليه وسلّم.
ومعنى : بالحق : بالعدل، قاله ابن عباس، وفيه وجهان : أحدهما : العدل فيما استحقه عليك من حمل أثقال النبوة. الثاني : بالعدل فيما اختصك به من شرف النبوة.
وقيل : بالصدق فيما اختلف فيه، قاله محمد بن جرير وقيل : بالصدق فيما تضمنه من الأخبار عن القرون الخالية وقيل : بالصدق فيما تضمنه من الوعد بالثواب على الطاعة، ومن الوعيد بالعقاب على المعصية.
وقيل : معنى بالحق : بالحجج والبراهين القاطعة.
والباء : تحتمل السببية أي : بسبب إثبات الحق، وتحتمل الحال، أي : محقاً نحو : خرج زيد بسلاحه، أي متسلحاً.