ماله ولا ولده، ذكر أن شأن هؤلاء في تكذيبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلّم، وترتب العذاب على كفرهم، كشأن من تقدّم من كفار الأمم، أخذوا بذنوبهم، وعذبوا عليها، ونبه على آل فرعون، لأن الكلام مع بني إسرائيل، وهم يعرفون ما جرى لهم حين كذبوا بموسى من إغراقهم وتصييرهم آخراً إلى النار، وظهور بني إسرائيل عليهم، وتوريثهم أماكن ملكهم، ففي هذا كله بشارة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولمن آمن به. أن الكفار مآلهم في الدنيا إلى الاسئصال، وفي الآخرة إلى النار، كما جرى لآل فرعون، أهلكوا في الدنياد وصاروا إلى النار.
واختلفوا في إعراب : كدأب، فقيل : هو خبر مبتدأ محذوف، فهو في موضع رفع، التقدير : دأبهم كدأب، وبه بدأ الزمشخري وابن عطية.
وقيل : هو في موضع نصب بوقود، أي : توقد النار بهم، كما توقد بآل فرعون. كما تقول : إنك لتثلم الناس كدأب أبيك، تريد : كظلم أبيك، قاله الزمخشري.
وقيل : يفعل مقدّر من لفظ الوقود، ويكون التشبيه في نفس الإحتراق، قاله ابن عطية. وقيل : من معناه أي عذبوا تعذيباً كدأب آل فرعون. ويدل عليه وقود النار.
وقيل : بلن تغني، أي : لن تغني عنهم مثل ما لم تغن عن أولئك، قاله الزمخشري. وهو ضعيف، للفصل بين العامل والمعمول بالجملة التي هي :﴿وَأُوالَئاِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ﴾ على أي التقديرين اللذين قدرناهما، فيها من أن تكون معطوفة على خبر إن، أو على الجملة المؤكدة بإن، فان قدرتها اعتراضية، وهو بعيد، جاز ما قاله الزمخشري.
وقيل : بفعل منصوب من معنى : لن تغني، أي بطل انتفاعهم بالأموال والأولاد بطلاناً كعادة آل فرعون.
وقيل : هو نعت لمصدر محذوف تقديره : كفراً كدأب والعامل فيه : كفروا، قاله الفراء وهو خطأ، لأنه إذا كان معمولاً للصلة كان من الصلة، ولا يجوز أن يخبر عن الموصول حتى يستوفي صلته ومتعلقاتها، وهنا قد أخبر، فلا تجوز أن يكون معمولاً لما في الصلة.
وقيل : بفعل محذوف يدل عليه : كفروا، التقدير : كفروا كفراً كعادة آل فرعون.
وقيل : العامل في الكاف كذبوا بآياتنا، والضمير في : كذبوا، على هذا لكفار مكة وغيرهم من معاصري رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أي : كذبوا تكذيباً كعادة آل فرعون.
وقيل : يتعلق بقوله :﴿فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ﴾ أي : أخذهم أخذاً كما أخذ آل فرعون، وهذا ضعيف، لأن ما بعد الفاء العاطفة لا يعمل فيما قبلها.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٧٠
وحكى بعض أصحابنا عن الكوفيين أنهم أجازوا : زيداً قمت فضربت، فعلى هذا يجوز هذا القول.
فهذه عشرة أقوال في العامل في الكاف.
قال ابن عطية : والدأب، بسكون الهمزة وفتحها، مصدر دأب يدأب، إذا لازم فعل شيء ودام عليه مجتهداً فيه، ويقال للعادة : دأب. وقال أبو حاتم : وسمعت يعقوب يذكر : كدأب، بفتح الهمزة، وقال لي : وأنا غُلَيْمٌ على أي شيء يجوز كدأب ؟ فقلت له : أظنه من : دئب يدأب دأباً، فقبل ذلك مني، وتعجب من جودة تقديري على صغري، ولا أدري : أيقال أم لا ؟ قال النحاس : لا يقال دئب ألبتة، وإنما يقال : دأب يدأب دؤباً هكذا حكى النحويون، منهم الفرّاء، حكاه في كتاب (المصادرصلى الله عليه وسلّم.
وآل فرعون : أشياعه وأتباعه..
﴿وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ هم كفار الأمم السالفة، كقوم نوح، وقوم هود، وقوم شعيب، وغيرهم. فالضمير على هذا عائد على آل فرعون، ويحتمل أن يعود الضمير على الذين كفروا وهم معاصر ورسول الله صلى الله عليه وسلّم، وموضع : والذين، جر عطفاً على : آل فرعون.
﴿كَذَّبُوا بِـاَايَـاتِنَآ﴾ بهذه الجملة تفسير للدأب، كأنه قيل : ما فعلوا ؟ وما فعلوا بهم ؟ فقيل : كذبوا بآياتنا، فهي كأنها جواب سؤال مقدّر، وجوّزوا أن تكون في موضع الحال، أي : مكذبين، وجوزوا أن يكون الكلام تم عند قوله :﴿كَدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ﴾ ثم ابتدأ فقال :﴿وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِم كَذَّبُوا ﴾ فيكون : الذين، مبتدأ، و: كذبوا خبره وفي قوله : بآياتنا، التنفات، إذ قبله من الله، فهو اسم غيبة، فانتقل منه إلى التكلم.
و : الآيات، يحتمل أن تكون المتلوة في كتب الله، ويحتمل
٣٨٩
أن تكون العلامات الدالة على توحيد الله وصدق أنبيائه.
﴿فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ﴾ رجع من التكلم إلى الغيبة، ومعنى الأخذ بالذنب : العقاب عليه، والباء في : بذنوبهم، للسبب.
﴿وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ تقدّم تفسير مثل هذا، وفيه إشارة إلى سطوة الله على من كفر بآياته وكذب بها.
قيل : وتضمنت هذه الآيات من ضروب الفصاحة.
حسن الإبهام، وهو فيما افتتحت به، لينبه الفكر إلى النظر فيما بعده من الكلام.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٧٠