والحذف في مواضع، في قوله :﴿لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي : من الكتب و﴿وَأَنزَلَ التَّوْرَاةِ وَالانجِيلَ﴾ أي : وأنزل الإنجيل، لأن الإنزالين في زمانين ﴿هُدًى لِّلنَّاسِ﴾ أي : الدين أراد هداهم : عذاب شديد، أي يوم القيامة، . ﴿ذُو انتِقَامٍ﴾ أي ممن أراد عقوبته ﴿فِي الارْضِ وَلا فِى السَّمَآءِ﴾ أي ولا في غيرهما ﴿الْعَزِيزُ﴾ أي : في ملكه. ﴿الْحَكِيمُ﴾ أي في صنعه ﴿وَأَخَّرَ﴾ أي : آيات أُخر ﴿زَيْغٌ﴾ أي عن الحق ﴿ابْتِغَآءَ الْفِتْنَةِ﴾ أي : لكم ﴿وَابْتِغَآءَ تَأْوِيلِهِا﴾ أي : على غير الوجه المراد منه ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُا﴾ أي : على الحقيقة المطلوبة ﴿رَبَّنَآ﴾ أي يا ربنا ﴿لا تُزِغْ قُلُوبَنَا﴾ أي : عن الحق ﴿بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾ أي : إليه ﴿كَذَّبُوا بِـاَايَـاتِنَآ﴾ أي : المنزلة على الرسل، أو المنصوبات علماً على التوحيد ﴿بِذُنُوبِهِمْ﴾ أي السالفة.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٧٠
والتكرار : نزل عليك الكتاب، وأنزل التوراة، وأنزل الفرقان. كرر لاختلاف الإنزال، وكيفيته، وزمانه، بآيات الله، والله. كرر اسمه تعالى تفخيماً، لأن في ذكر المظهر من التفخيم ما ليس في المضمر. لا إله إلاَّ هو الحي القيوم، لا إله إلا هو العزيز. كرر الجملة تنبيهاً على استقرار ذلك في النفوس، ورداً على من زعم أن معه إلهاً غيره. ابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله. كرر لاختلاف التأويلين، أو للتفخيم لشأن التأويل. ربنا لا تزغ، ربنا إنك. كرر الدعاء تنبيهاً على ملازمته، وتحذيراً من الغفلة عنه لما فيه من إظهار الافتقار.
والتقديم والتأخير، وذلك في ذكر إنزال الكتب، لم يجيء الإخبار عن ذلك على حسب الزمان، إذ التوراة أولاً، ثم الزبور، ثم الإنجيل، ثم القرآن. وقدم القرآن لشرفه، وعظم ثوابه ونسخه لما تقدم، وبقائه، واستمرار حكمه إلى آخر الزمان. وثنى بالتوراة لما فيها من الأحكام الكثيرة، والقصص، وخفايا الاستنباط.
ورواها من : أن التوراة حين نزلت كانت سبعين وسقاً، ثم ثلث بالإنجيل، لأنه كتاب فيه من المواعظ والحكم ما لا يحصى، ثم تلاه بالزبور لأن فيه مواعظ وحكما لم تبلغ مبلغ الإنجيل، وهذا إذا قلنا إن الفرقان هو الزبور، وفي قوله :﴿فِي الارْضِ وَلا فِى السَّمَآءِ﴾ قدم الأرض على السماء وإن كانت السماء أكثر في العوالم، وأكبر في الأجرام، وأكبر في الدلائل والآيات، وأجزل في الفضائل لطهارة سكانها، بخلاف سكان الأرض، ليعلمهم، إطلاعه على خفايا أمورهم، فاهتم بتقديم محلهم عسى أن يزدجروا عن قبيح أفعالهم، لأنه إذا أنبه على أن الله لا يخفى عليه شيء من أمره، استحيا منه.
والالتفات ﴿رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ﴾ ثم قال ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ وفي قوله :﴿كَذَّبُوا بِـاَايَـاتِنَآ﴾ ثم قال ﴿وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.
والتأكيد :﴿وَأُوالَئاِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ﴾ فاكد بلفظة : هم، وأكد بقوله :﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ﴾ قوله ﴿لا إله إِلا هُوَ﴾ وأكد بقوله ﴿هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَـابَ﴾ قوله ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَـابَ﴾.
والتوسع بإقامة المصدر مقام اسم الفاعل في قوله : هدى، والفرقان، أي : هادياً، والفارق. وبإقامة الحرف مقام الظرف في قوله : من الله، أي : عند الله، على قول من أوَّل : من، بمعنى : عند.
والتجنيس المغاير في قوله : وهب، والوهاب.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٧٠
العبرة : الاتعاظ يقال : منه اعتبر، وهو الاستدلال بشيء على شيء يشبهه، واشتقاقها من العبور، وهو مجاوزة الشيء إلى الشيء، ومنه : عبر النهر، وهو شطه، والمعبر : السفينة، والعبارة يعبر بها إلى
٣٩١
المخاطب بالمعاني، وعبرت الرؤيا مخففاً ومثقلاً : نقلت ما عندك من علمها إلى الرائي أو غيره ممن يجهل : وكان الاعتبار انتقالاً عن منزلة الجهل إلى منزلة العلم، ومنه، العَبرة، وهي الدمع، لأنها تجاوز العين.
الشهوة : ما تدعو النفس إليه، والفعل منه : اشتهى، ويجمع بالألف والتاء فيقال : شهوات، ووجدت أنا في شعر العرب جمعها على : شُهى، نحو : نزوة ونزى، و: كوة وكوى، على قول من زعم أن : كوى، جمع كوة بفتح الكاف، وهذا مع : قرية وقرى، ذكره النحويون مما جاء على وزن فعلة معتل اللام، وجمع على فعل، واستدركت أنا : شهى، وقالت امرأة من بني نضر بن معاوية :
فلولا الشُّهى والله كنت جديرةبأن أترك اللذات في كل مشهد
القنطار : فنعال نونه زائدة، قاله ابن دريد، فيكون وزنه : فنعالاً من : قطر يقطر وقيل : أصل ووزن فعلال، وفيه خلاف : أهو واقع على عدد مخصوص ؟ أم هو وزن لا يحد ولا يحصر ؟ والقائلون بأنه عدد مخصوص اختلفوا في ذلك العدد، ويأتي ذلك في التفسير، إن شاء الله تعالى.