قالوا في الصادقين : في الأقوال. وقيل : في القول والفعل والنية. وقيل : في السر والعلانية.
٤٠٠
قالوا في القانتين : الحافظين للغيب. وقال الزجاج : القائمين على العبادة. وقيل : القائمين بالحق. وقيل : الداعين المتضرعين. وقيل : الخاشعين. وقيل : المصلين.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٩٨
وقالوا في المنفقين : المخرجين المال على وجه مشروع. وقيل : في الجهاد. وقيل : في جميع أنواع البر. وقال ابن قتيبة : في الصدقات.
قالوا في المستغفرين السائلين قاله ابن عباس وقال ابن مسعود وان عمر وأنس وقتادة السائلين المغفرة وقت فراغ البال وخفة الأشفال، وقال قتادة أيضاً : المصلين بالأسحار. وقال زيد بن أسلم : المصلين الصبح في جماعة.
وهذا الذي فسروه كله متقارب.
﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّه لا إله إِلا هُوَ وَالْمَلَئاِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَآاِمَا بِالْقِسْطِ﴾.
سبب نزولها أن حبرين من الشام قدما المدينة، فقال أحدهما للآخر : ما أشبه هذه بمدينة النبي الخارج في آخر الزمان، ثم عرفا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالنعت، فقالا : أنت محمد ؟ قال :"نعم". فقالا : أنت أحمد ؟ فقال :"نعم". فقالا : نسألك عن شهادة إن أخبرتنا بها آمنا. فقال :"سلاني فقال أحدهما : أخبرنا عن
٤٠١
أعظم الشهادة في كتاب الله، فنزلت وأسلما.
وقال ابن جبير : كان حول البيت ثلاثمائة وستون صنماً، فلما نزلت هذه الآية خرت سجدا.
وقيل : نزلت في نصارى نجران لما حاجوا في أمر عيسى.
وقيل : في اليهود والنصارى لما تركوا اسم الإسلام وتسموا باليهودية والنصرانية.
وقيل : إنهم قالوا : ديننا أفضل من دينك، فنزلت.
وأصل : شهد، حضر، ثم صرفت الكلمة في أداء ما تقرر علمه في النفس، فأي وجه تقرر من حضور أو غيره. فقيل : معنى : شهد، هنا : أعلم. قاله المفضل وغيره، وقال الفرّاء، وأبو عبيدة : قضى، وقال مجاهد : حكم، وقيل : بين. وقال ابن كيسان : شهد بإظهار صنعه.
وفي كل شيء له آيةتدل على أنه الواحد
قال الزمخشري : شبهت دلالته على وحدانيته بأفعاله الخاصة التي لا يقدر عليها غيره، وبما أوحى من آياته الناطقة بالتوحيد كسورة الإخلاص، وآية الكحرسي وغيرهما. بشهادة الشاهد في البيان والكشف، وكذلك إقرار الملائكة وأولي العلم بذلك، واحتجاجهم عليه. إنتهى. وهو حسن.
وقال المروزي : ذكر شهادته سبحانه على سبيل التعظيم لشهادة من ذكر بعده، كقوله :﴿قُلِ الانفَالُ﴾ إنتهى.
ومشاركة الملائكة وأولي العلم لله تعالى في الشهادة. من حيث عطفا عليه لصحة نسبة الإعلام، أو صحة نسبة الإظهار والبيان، وإن اختلفت كيفية الإظهار والبيان من حيث أن إظهاره تعالى بخلق الدلائل، وإظهار الملائكة بتقريرها للرسل، والرسل لأولي العلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٩٨
وقال الواحدي : شهادة الله بيانه وإظهاره، والشاهد هو العالم الذي بيّن ما علمه، والله تعالى بيّن دلالات التوحيد بجميع ما خلق، وشهادة الملائكة بمعنى بالإقرار كقوله :﴿هَـاذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا ﴾ أي : أقررنا. فنسق شهادة الملائكة على شهادة الله، وإن اختلفت معنىً، لتماثلهما لفظاً. كقوله :﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَئاِكَتَه يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ﴾ لأنها من الله الرحمة، ومن الملائكة الأستغفار والدعاء وشهادة أولي العلم يحتمل الإقرار ويحتمل التبيين، لأنهم أقرّوا وبينوا. إنتهى.
وقال المؤرخ : شهد الله، بلغة قيس بن غيلان.
و ﴿وَأُوْلُوا الْعِلْمِ﴾ قيل : هم الأنبياء. وقيل : العلماء وقيل : مؤمنو أهل الكتاب. وقيل : المهاجرون والأنصار. وقيل : علماء المؤمنين. وقال الحسن : المؤمنون.
والمراد بأولي العلم : من كان من البشر عالماً، لأنهم
٤٠٢
ينقسمون إلى : عالم وجاهل، بخلاف الملائكة. فإنهم في العلم سواء.
و ﴿أَنَّه لا إله إِلا هُوَ﴾ : مفعول : شهد، وفصل به بين المعطوف عليه والمعطوف، ليدل على الاعتناء بذكر المفعول، وليدل على تفاوت درجة المتعاطفين، بحيث لا ينسقان متجاورين. وقدم الملائكة على أولي العلم من البشر لأنهم الملأ الأعلى، وعلمهم كله ضروري، بخلاف البشر، فإن علمهم ضروري وإكتسابي.
وقرأ أبو الشعثاء : شهد، بضم الشين مبنياً للمفعول، فيكون : أنه، في موضع البدل أي : شهد وحدانية الله وألوهيته. وارتفاع : الملائكة، على هذه القراءة على الابتداء، والخبر محذوف تقديره : والملائكة وأولو العلم يشهدون. وحذف الخبر لدلال المعنى عليه، ويحتمل أن يكون فاعلاً بإضمار فعل محذوف لدلالة شهد عليه، لأنه إذا بني الفعل للمفعول فإنه قبل ذلك كان مبنياً للفاعل، والتقدير : وشهد بذلك الملائكة وأولو العلم.
وقرأ أبو المهلب، عم محارب بن دثار : شهداء الله، على وزن : فعلاء، جمعاً منصوباً.