قال ابن جني : على الحال من الضمير في المستغفرين. وقيل : نصب على المدح، وهو جمع شهداء، وجمع شاهد : كظرفاء وعلماء. وروي عنه، وعن أبي نهيك : شهداء الله، بالرفع أي : هم شهداء الله. وفي القراءتين : شهداء، مضاف إلى اسم الله.
وروي عن أبي المهلب : شهد بضم الشين والهاء، جمع : شهيد، كنذير ونذر، وهو منصوب على الحال، واسم الله منصوب. وذكر النقاش : أنه قرىء كذلك بضم الدال وبفتحها مضافاً لام الله في القراءتين.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٩٨
وذكر الزمخشري، أنه قرىء : شهداء لله، برفع الهمزة ونصبها، وبلام الجر داخلة على اسم الله، فوجه النصب على الحال من المذكورين، والرفع على إضمارهم، ووجه رفع الملائكة على هاتين القراءتين عطفاً على الضمير المستكن في شهداء، وأجاز ذلك الوقوع الفاصل بينهما. وتقدم توجيه رفع الملائكة إما على الفاعلية، وإما على الإبتداء.
وقرأ أبو عمر وبخلاف عنه بإدغام : واو، وهو في : واو، والملائكة. وقرأ ابن عباس :﴿أَنَّه لا إله إِلا هُوَ﴾ بكسر الهمزة في : أنه، وخرج ذلك على أنه أجرى : شهد، مجرى : قال، لأن الشهادة في معنى القول، فلذلك كسر إن، أو على أن معمول : شهد، هو إن الدين عند الله الإسلام} ويكون قوله : ويكون قوله :﴿أَنَّه لا إله إِلا هُوَ﴾ جملة اعتراض بين المعطوف عليه والمعطوف، إذ فيها تسديد لمعنى الكلام وتقوية، هكذا خرجوه والضمير في : أنه، يحتمل أن يكون عائداً على : الله، ويحتمل أن يكون ضمير الشأن، ويؤيد هذا قراءة عبد الله ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّه لا إله إِلا هُوَ﴾ ففي هذه القراءة يتعين أن يكون المحذوف إذا خففت ضمير الشأن، لأنها إذا خففت لم تعمل في غيره إلاَّ ضرورة، وإذا عملت فيه لزم حذفه.
قالوا : وانتصب :﴿قَآاِمَا بِالْقِسْطِ﴾ على الحال من اسم الله تعالى، أو من : هو، أو من الجميع، على اعتبار كل واحد واحد، أو على المدح، أو صفة للمنفي، كأنه قيل : لا إله قائماً بالقسط إلاَّ هو. أو : على القطع، لأن أصله : القائم، وكذا قرأ ابن مسعبود، فيكون كقوله :﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا ﴾ أي الواصب.
وقرأ أبو حنيفة : قيما، وانتصابه على ما ذكر. وذكر السجاوندي : أن قراءة عبد الله : قائم، فأما انتصابه على الحال من اسم الله فعالمها شهد، إذ هو العامل في الحال، وهي في هذا الوجه حال لازمة، لأن القيام بالقسط وصف ثابت لله تعالى.
وقال الزمخشري : وانتصابه على أنه حال مؤكدة منه، أي : من الله، كقوله ﴿وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا﴾. انتهى. وليس من الحال المؤكدة، لأنه ليس من باب :﴿وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾ ولا من باب : أنا عبد الله شجاعاً. فليس ﴿قَآاِمَا بِالْقِسْطِ﴾
٤٠٣
بمعنى : شهد، وليس مؤكداً مضمون الجملة السابقة في نحو : أنا عبد الله شجاعاً، وهو زيد شجاعاً. لكن في هذا التخريج قلق في التركيب، إذ يصير كقولك : أكل زيد طعاماً وعائشة وفاطمة جائعاً. فيفصل بين المعطوف عليه والمعطوف بالمفعول، وبين الحال وذي الحال بالمفعول والمعطوف، لكن بمشيئة كونها كلها معمولة لعامل واحد، وأما انتصابه على الحال من الضمير الذي هو : هو، فجوّزه الزمخشري وابن عطية.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٩٨
قال الزمخشري : فإن قلت : قد جعلته حالاً من فاعل : شهد، فهل يصح أن ينتصب حالاً من : هو، في :﴿لا إله إِلا هُوَ﴾ ؟
قلت : نعم لأنها حال مؤكدة، والحال المؤكدة لا تستدعي أن يكون في الجملة التي هي زيادة في فائدتها عامل فيها، كقوله : أنا عبد الله شجاعاً. انتهى. ويعني. أن الحال المؤكدة لا يكون العامل فيها النصب شيئاً من الجملة السابقة قبلها، وإنما ينتصب بعامل مضمر تقديره : أحق، أو نحوه مضمراً بعد الجملة، وهذا قول الجمهور. والحال المؤكدة لمضمون الجملة هي الدالة على معنى ملازم للمسند إليه الحكم، أو شبيه بالملازم، فإن كان المتكلم بالجملة مخبراً عن نفسه، فيقدر الفعل : أحق، مبنياً للمفعول، نحو : أنا عبد الله شجاعاً، أي : أحق شجاعاً. وإن كان مخبراً عن غيره نحو : هو زيد شجاعاً، فتقديره : أحقه شجاعاً.
وذهب الزجاج إلى أن العامل في هذه الحال هو الخبر بما ضمن من معنى المسمى، وذهب ابن خروف إلى أنه المبتدأ بما ضمن من معنى التنبيه. وأما من جعله حالاً من الجميع، على ما ذكر، فرد بأنه لو جاز ذلك لجاز : جاء القوم راكباً، أي : كل واحد منهم. وهذا لا تقوله العرب.
وأما انتصابه على المدح، فقال الزمخشري : فإن قلت أليس من حق المنتصب على المدح أن يكون معرفة، كقولك : الحمد لله الحميد، "إنا معشر الأنبياء لا نورث".
إنا بني نهشل لا ندعى لأب ؟ قلت : قد جاء نكرة في قول الهذلي :
ويأوي إلى نسوة عطلوشعثاً مراضيع مثل السعالي
٤٠٤


الصفحة التالية
Icon