انتهى سؤاله وجوابه. وفي ذلك تخليط، وذلك أنه لم يفرّق بين المنصوب على المدح أو الذم أو الترحم، وبين المنصوب على الاختصاص، وجعل حكمهما واحداً، وأورد مثالاً من المنصوب على المدح وهو : الحمد لله الحميد، ومثالين في المنصوب على الاختصاص وهما :"إنا معشر الأنبياء لا نورث".
إنا بني نهشل لا ندعى لأب
والذي ذكر النحويون أن المنصوب على المدح أو الذم أو الترحم قد يكون معرفة، وقبله معرفة يصلح أن يكون تابعاً لها، وقد لا يصلح، وقد يكون نكرة كذلك، وقد يكون نكرة وقبلها معرفة، فلا يصلح أن يكون نعتاً لها نحو قول النابغة : أقارعُ عوفٍ لا أحاولُ غيرَهاوجوهَ قرودٍ يبتغي من يخادعُ
فانتصب : وجوهَ قرودٍ، على الذم. وقبله معرفة وهو قوله : أقارع عوف.
وأما المنصوب على الاختصاص فنصبوا على أنه لا يكون نكرة ولا مبهماً، ولا يكون إلاَّ معرفاً بالألف واللام، أو بالإِضافة، أو بالعلمية، أو بأي، ولا يكون إلاَّ بعد ضمير متكلم مختص به، أو مشارك فيه، وربما أتى بعد ضمير مخاطب. وأما انتصابه على أنه صفة للمنفي فقال الزمخشري.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٩٨
فإن قلت : هل يجوز أن يكون صفة للمنفي كأنه قيل : لا إله قائماً بالقسط إلا هو ؟
قلت : لا يبعد، فقد رأيناهم يتسعون في الفصل بين الصفة والموصوف، ثم قال : وهو أوجه من انتصابه عن فاعل : شهد، وكذلك انتصابه على المدح. انتهى. وكان قد مثل في الفصل بين الصفة والموصوف بقوله : لا رجل إلاَّ عبد الله شجاعاً. ويعني أن انتصاب : قائماً، على أنه صفة لقوله : إله، أو لكونه انتصب على المدح أوجه من انتصابه على الحال من فاعل : شهد، وهو الله. وهذا الذي ذكره لا يجوز، لأنه فصل بين الصفة والموصوف بأجنبي، وهو المعطوفان اللذان هما : الملائكة وأولو العلم، وليسا معمولين من جملة ﴿لا إله إِلا اللَّهُ﴾ بل هما معمولان : لشهد، وهو نظير : عرف زيد أن هنداً خارجة وعمرو وجعفر ا لتميمية. فيفصل بين هنداً والتميمية بأجنبي ليس داخلاً فيما عمل فيها، وفي خبرها بأجنبي وهما : عمرو وجعفر، المرفوعان بعرف، المعطوفان على زيد.
وأما المثال الذي مثل به وهو : لا رجل إلاَّ عبد الله شجاعاً، فليس نظير تخريجه في الآية، لأن قولك : إلاَّ عبد الله، يدل على الموضع من : لا رجل، فهو تابع على الموضع، فليس بأجنبي. على أن في جواز هذا التركيب نظراً، لأنه بدل، و: شجاعاً، وصف، والقاعدة أنه : إذا اجتمع البدل والوصف قدم الوصف على البدل، وسبب ذلك أنه على نية تكرار العامل على المذهب الصحيح، فصار من جملة أخرى على المذهب.
وأما انتصابه على القطع فلا يجيء إلاَّ على مذهب الكوفيين، وقد أبطله البصريون.
والأولى من هذه الأقوال كلها أن يكون منصوباً على الحال من اسم الله، والعامل فيه : شهد، وهو قول الجمهور.
وأما قراءة عبد الله : القائم بالقسط، فرفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره : هو القائم بالقسط. قال الزمخشري وغيره : إنه بدل من : هو، ولا يجوز ذلك، لأن فيه فصلاً بين البدل والمبدل منه بأجنبي. وهو المعطوفان، لأنهما معمولان لغير العامل في المبدل منه، ولو كان العامل في المعطوف هو العامل في المبدل منه لم يجز ذلك أيضاً، لأنه إذا
٤٠٥
اجتمع العطف والبدل قدم البدل على العطف، لو قلت جاء زيد وعائشة أخوك، لم يجز. إنما الكلام : جاء زيد أخوك وعائشة.
وقال الزمخشري فإن قلت : لم جاز إفراده بنصب الحال دون المعطوفين عليه، ولو قلت : جاءني زيد وعمر وراكباً لم يجز ؟
قلت : إنما جاز هذا لعدم الإلباس، كما جاز في قوله :﴿وَ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً﴾ إن انتصب : نافلة، حالاً عن : يعقوب، ولو قلت : جاءني زيد وهند راكباً، جاز لتميزه بالذكورة. انتهى كلامه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٩٨
وما ذكر من قوله في : جاءني زيد وعمرو راكباً، أنه لا يجوز ليس كما ذكر، بل هذا جائز، لأن الحال قيد فيمن وقع منه أو به الفعل، أو ما أشبه ذلك، وإذا كان قيداً فإنه يحمل على أقرب مذكور، ويكون راكباً حالاً مما يليه، ولا فرق في ذلك بين الحال والصفة، لو قلت : جاءني زيد وعمرو الطويل. لكان : الطويل، صفة : لعمرو، ولا تقول : لا تجوز هذه المسألة، لأنه يلبس بل لا لبس في هذا، وهو جائز فكذلك الحال.
وأما قوله : في : نافلة، إنه انتصب حالاً عن : يعقوب، فلا يتعين أن يكون حالاً عن : يعقوب، إذ يحتمل أن يكون : نافلة، مصدراً كالعافية والعاقبة. ومعناه : زيادة، فيكون ذلك شاملاً لإسحاق ويعقوب، لأنهما زيدا لإبراهيم بعد ابنه إسماعيل وغيره، إذ كان إنما جاء له إسحاق على الكبر، وبعد أن عجزت سارة وأيست من الولادة، وأولاد إبراهيم غير إسماعيل وإسحاق مديان، ويقال : مدين، ويشتاق، وشواح، وهو خاضع، ورمران وهو محدان، ومدن، ويقشان وهو مصعب، فهؤلاء ولد إبراهيم لصلبه. والعقب الباقي منهم لإسماعيل وإسحاق لا غير.