من غير السبعة : ويقاتلون الثاني. وقرأها الأعمش : وقاتلوا الذين، وكذا هي في مصحف عبد الله وقرأ أبيّ : يقتلون النبيين والذين يأمرون، ومن غاير بين الفعلين فمعناه واضح إذا لم يذكر أحدهما على سبيل التوكيد، ومن حذف اكتفى بذكر فعل واحد لأشتراكهم في القتل، ومن كرر الفعل فذلك على سبيل عطف الجمل وابراز كل جملة في صورة التشنيع والتفظيع، لأن كل جملة مستقلة بنفسها، أو لاختلاف ترتب العذاب بالنسبة على من وقع به الفعل، فقتل الأنبياء أعظم من قتل من يأمر بالمعروف من غير الأنبياء، فجعل القتل بسبب اختلاف مرتبته كأنهما فعلان مختلفان.
وقيل : يحتمل أن يراد بأحد القتلين تفويت الرّوح، وبالآخر الإهانة وإماتة الذكر، فيكونان إذ ذاك مختلفين.
وجاء في هذه السورة ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ بصيغة التنكير، وفي البقرة ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ بصيغة التعريف، لأن الجملة هنا أخرجت مخرج الشرط، وهو عام لا يتخصص، فناسب أن يكون المنفي بصيغة التنكير حتى يكون عاماً، وفي البقرة جاء ذلك في صورة الخبر عن ناس معهودين، وذلك قوله ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِاَايَـاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّانَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ فناسب أن يأتي بصيغة التعريف، لأن الحق الذي كان يستباح به قتل الأنفس عندهم كان معروفاً، كقوله ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ فالحق هنا الذي تقتل به الأنفس معهود معروف، بخلاف ما في هذه السورة.
وقد تقدّم في البقرة أن قوله :﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ هي حال مؤكدة، إذ لا يقع قتل نبي إلاَّ بغير الحق، وأوضحنا لك ذلك. فأغنى عن إعادته وإيضاحه هنا.
ومعنى : من الناس، أي : غير الأنبياء، إذ لو قال : ويقتلون الذين يأمرون بالقسط، لكان مندرجاً في ذلك الأنبياء لصدق اللفظ عليهم، فجاء من الناس بمعنى : من غير الأنبياء. قال الحسن : تدل الآية على أن القائم بالأمر بالمعروف تلى منزلته في العظم منزلة الأنبياء. وعن أبيه عبيدة بن الجراح، قلت يا رسول الله : أي الناس أشد عذاباً يوم القيامة ؟ قال :"رجل قتل نبياً أو رجلاً أمر بمعروف ونهى عن منكر". ثم قرأها. ثم قال :"يا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبياً من أول النهار في ساعة واحدة، فقام مائة واثنا عشر رجلاً من عباد بني اسرائيل، فأمروا قتلتهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعاً من آخر النهار".
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٠٧
﴿فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلّم، وهو يدل على أن المراد معاصروه لا آباؤهم، فيكون إطلاق قتل الأنبياء مجازاً لأنهم لم يقتلوا أنبياء لكهنم رضوا ذلك وراموه.
وهذه الجملة هي خبر : إن، ودخلت الفاء لما يتضمن الموصول من معنى اسم الشرط كما قدّمناه، ولم يعب بهذا الناسخ لأنه لم يغير معنى الابتداء، أعني : إن.
ومع ذلك في المسألة خلاف : الصحيح جواز دخول الفاء في خبر : إن، إذا كان اسمها مضمناً معنى الشرط، وقد تقدّمت شروط جواز دخول الفاء في خبر المبتدأ، وتلك الشروط معتبرة هنا، ونظير هذه الآية في دخول الفاء ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَـامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾.
ومن منع ذلك جعل الفاء زائدة، ولم يقس زيادتها. وتقدم أن البشارة هي أول خبر سار، فإذا استعملت مع ما ليس بسار، فقيل : ذلك هو على سبيل التهكم والاستهزاء كقوله :
تحية بينهم ضرب وجيع
أي : القائم لهم مقام الخبر السار هو العذاب الأليم وقيل : هو على معنى تأثر البشرة من ذلك، فلم يؤخذ فيه قيد السرور، بل لوحظ معنى الاشتقاق.
﴿أُوالَئاِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَـالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالاخِرَةِ﴾. تقدم تفسير هذه الجملة عند قوله ومن ﴿يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ﴾ فأغنى عن إعادته.
وقرأ ابن عباس، وأبو السمال : حبطت، بفتح الباء وهي لغة.
﴿وَمَا لَهُم مِّن نَّـاصِرِينَ﴾ مجيء الجمع هنا أحسن من مجيء الإفراد، لأنه
٤١٤