رأس آية، ولأنه بإزاء من للمؤمنين من الشفعاء الذين هم الملائكة والأنبياء وصالحو المؤمنين، أي : ليس لهم كأمثال هؤلاء، والمعنى : بانتفاء الناصرين انتفاء ما يترتب على النصر من المنافع والفوائد، وإذا انتفت من جمع فانتفاؤها من واحد أَولى، وإذا كان جمع لا ينصر فأحرى أن لا ينصر واحد، ولما تقدم ذكر معصيتهم بثلاثة أوصاف ناسب أن يكون جزاؤهم بثلاثة، ليقابل كل وصف بمناسبة، ولما كان الكفر بآيات الله أعظم، كان التبشير بالعذاب الأليم أعظم، وقابل قتل الأنبياء بحبوط العمل في الدنيا والأخرة، ففي الدنيا بالقتل والسبي وأخذ المال والاسترقاق، وفي الآخرة بالعقاب الدائم، وقابل قتل الآمرين بالقسط، بانتفاء الناصرين عنهم إذا حل بهم العذاب، كما لم يكن للآمرين بالقسط من ينصرهم حين حل بهم قتل المعتدين، كذلك المعتدون لا ناصر لهم إذا حل بهم العذاب.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٠٧
وفي قوله : أولئك، إشارة إلى من تقدم موصوفاً بتلك الأوصاف الذميمة، وأخبر عنه : بالذين، إذ هو أبلغ من الخبر بالفعل، ولأن فيه نوع انحصار، ولأن جعل الفعل صلة يدل على كونها معلومة للسامع، معهودة عنده، فإذا أخبرت بالموصول عن اسم استفاد المخاطب أن ذلك الفعل المعهود المعلوم عنده المعهود هو منسوب للمخبر عنه بالموصول، بخلاف الإخبار بالفعل، فإنك تخبر المخاطب بصدوده عن من أخبرت به عنه، ولا يكون ذلك الفعل معلوماً عنده، فإن كان معلوماً عنده جعلته صلة، وأخبرت بالموصول عن الأسم.
قيل وجمعت هذه الآيات ضروباً من الفصاحة والبلاغة. أحدهما : التقديم والتأخير في :﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الاسْلَـامُ﴾ قال ابن عباس التقدير : شهد الله أن الدين عند الله الاسلام، أنه لا إله إلا هو، ولذلك قرأ إنه، بالكسر : وأن الدين، بالفتح.
وأطلق اسم السبب على المسبب في قوله ﴿بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ عبر بالعلم عن التوراة والإنجيل أو النبي صلى الله عليه وسلّم، على الخلاف الذي سبق.
وإسناد الفعل إلى غير فاعله في :﴿حَبِطَتْ أَعْمَـالُهُمْ﴾ وأصحاب النار.
والإيماء في قوله :﴿بَغْيَا بَيْنَهُمْ﴾ فيه إيماء إلى أن النفي دائر شائع فيهم، وكل فرقة منهم تجاذب طرفاً منه.
والتعبير ببعض عن كل في :﴿أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ﴾.
والاستفهام الذي يراد به التقرير أو التوبيخ والتقريع في قوله ﴿ءَأَسْلَمْتُمْ﴾.
والطباق المقدر في قوله :﴿فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا ا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَـاغُ﴾ ووجهه : أن الإسلام الانقياد إلى الإسلام، والإقبال عليه، والتولي ضد الإقبال. والتقدير : وإن تولوا فقد ضلوا، والضلالة ضد الهداية.
والحشو الحسن في قوله ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ فإنه لم يقتل قط نبي بحق، وإنما أتى بهذه الحشوة ليتأكد قبح قتل الأنبياء، ويعظم أمره في قلب العازم عليه.
والتكرار في ﴿وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ﴾ تأكيداً لقبح ذلك الفعل.
والزيادة في ﴿فَبَشِّرْهُم﴾ زاد الفاء إيذاناً بأن الموصول ضمن معنى الشرط.
والحذف في مواضع قد تكلمنا عليها فيما سبق.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٠٧
٤١٥
غَر، يغر، غروراً : خدع والغِر : الصغير، والغريرة : الصغيرة، سميا بذلك لأنهما ينخدعان بالعجلة، والغِرة منه يقال : أخذه على غرة، أي : تغفل وخداع، والغُرة : بياض في الوجه، يقال منه : وجه أغر، ورجل أغر، وامرأة غراء. والجمع على القياس فيهما غُر. قالوا : وليس بقياس وغران. قال الشاعر :
ثياب بني عوف طهارى نقيةوأوجههم عند المشاهد غران
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤١٥
نزع ينزع : جذب، وتنازعنا الحديث تجاذبناه، ومنه : نزاع الميت، ونزع إلى كذا : مال إليه وانجذب، ثم يعبر به عن الزوال، يقال : نزع الله عنه الشر : أزاله.
ولج يلج ولوجاً ولجة وولجاً، وولج تولجاً وأتلج إتلاجاً قال الشاعر :
فإن القوافي يتَّلجْن موالجاتضايق عنها أن تولجها الإبر
الامد : غاية الشيء، ومنتهاه، وجمعه آماد.
اللهم : هو الله إلاَّ أنه مختص بالنداء فلا يستعمل في غيره، وهذه الميم التي لحقته عند البصريين هي عوض من حرف النداء، ولذلك لا تدخل عليه إلاَّ في الضرورة. وعند الفراء : هي من قوله : يا الله أمنا بخير، وقد أبطلوا هذا النصب في علم النحو، وكبرت هذه اللفظة حتى حذفوا منها : أل، فقالوا : لا همّ، بمعنى : اللهمّ. قال الزاجر :
لا هم إني عامر بن جهمأحرم حجاً في ثياب دسم
وخففت ميمها في بعض اللغات قال :
كَحَلْقَه من أبي رياحيسمعها اللَّهُمَ الكُبار
الصدر : معروف، وجمعه : صدور.
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَـابِ﴾ قال السدّي : دعا النبي صلى الله عليه وسلّم اليهود إلى الإسلام، فقال له النعمان بن أبي أوفى : هلم نخاصمك إلى الأحبار. فقال :"بل إلى كتاب الله". فقال : بل إلى الأحبار. فنزلت.


الصفحة التالية
Icon