واللام، تتعلق : بجمعناهم، والمعنى : لقضاء يوم وجزائه كقوله :﴿إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ﴾ قال النقاش : اليوم، هنا الوقت، وكذلك :﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ﴾ و﴿فِى يَوْمَيْنِ﴾ و﴿فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ﴾ إنما هي عبارة عن أوقات، فإنما الأيام والليالي عندنا في الدنيا.
وقال ابن عطية : الصحيح في يوم القيامة أنه يومك، لأنه قبله ليلة وفيه شمس.
ومعنى :﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾ أي في نفس الأمر، أو عند المؤمن، أو عند المخبر عنه، أو حين يجمعهم فيه، أو معناه : الأمر خمسة أقوال.
﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ تقدم تفسير مثل يهذا في البقرة، آخر آيات الربا.
﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَـالِكَ الْمُلْكِ﴾ قال الكلبي : ظهرت صخرة في الخندق، فضربها صلى الله عليه وسلّم، فبرق برق فكبر، وكذا في الثانية والثالثة، فقال صلى الله عليه وسلّم :"في الأولى : قصور العجم، وفي الثانية : قصور الروم. وفي الثالثة : قصور اليمن فأخبرني جبريل عليه السلام : أن أمتي ظاهرة على الكل". فعيره المنافقون بأنه يضرب المعول ويحفر الخندق فرقاً، ويتمنى ملك فارس والروم، فنزلت. اختصره السجاوندي هكذا، وهو سبب مطول جد.
وقال ابن عباس : لما فتحت مكة، كبر على المشركين وخافوا فتح العجم، فقال عبد الله بن أبي : هم أعز وأمنع، فنزلت.
وقال ابن عباس، وأنس : لما فتح صلى الله عليه وسلّم مكة، وعد أمته ملك فارس والروم، فنزلت.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤١٥
وقيل : بلغ ذلك اليهود فقالو : هيهات هيهات فنزلت، فذلوا وطلبوا المواصمة. وقال الحسن : سأل صلى الله عليه وسلّم ملك فارس والروم لأمته، فنزلت على لفظ النهي. وروي نحوه عن قتادة أنه ذكر له ذلك. وقال أبو مسلم الدمشقي : قالت اليهود : والله لا نطيع رجلاً جاء بنقل النبوّة من بني إسرائيل إلى غيرهم، فنزلت.
وقيل : نزلت رداً على نصارى نجران في قولهم : إن عيسى هو الله، وليس فيه شيء من هذه الأوصاف.
والملك هنا ظاهره السلطان والغلبة، وعلى هذا التفسير جاءت أسباب النزول. وقال مجاهد : الملك النبوّة، وهذا يتنزل على نقل أبي مسلم في سبب النزول. وقيل : المال والعبيد، وقيل : الدنيا والآخرة.
وقال الزجاج : مالك العباد وما ملكوا. وقال الزمخشري : أي تملك جنس الملك فتتصرف فيه تصرف الملاك فيما يملكون. وقال معناه ابن عطية، وقد تكلم في لفظة : اللهم، من جهة النحو، فقال : أجمعوا على أنها مضمومة الهاء مشدّدة الميم المفتوحة، وأنها منادى. إنتهى. وما ذكر من الإجماع على تشديد الميم قد نقل الفراء تخفيف ميمها في بعض اللغات، قال : وأنشد بعضهم :
كَحْلَفةٍ من أبي رِيَاحيسمعها اللَّهم الكبار
قال الراد عليه : تخفيف الميم خطأ فاحش خصوصاً عند الفراء، لأن عنده هي التي في أمّنا، إذ لا يحتمل التخفيف أن تكون الميم فيه بقية أمّنا. قال : والرواية الصحيحة يسمعها لاهه الكبار. إنتهى. وإن
٤١٨
صح هذا البيت عن العرب كان فيه شذوذ آخر من حيث استعماله في غير النداء، ألا ترى أنه جعله في هذا البيت فاعلاً بالفعل الذي قبله ؟ قال أبو رجاء العطاردي : هذه الميم تجمع سبعين اسماً من اسمائه وقال النضر بن شميل : من قال اللهم فقد دعا الله بجيع أسمائه كلها. وقال الحسن : اللهم مجمع الدعاء. ومعنى قول النضر : إن اللهم هو الله زيدت فيه الميم، فهو الأسم العلم المتضمن لجميع أوصاف الذات، لأنك إذا قلت : جاء زيد، فقد ذكرت الأسم الخاص، فهو متضمن جميع أوصافه التي هي فيه من شهلة أو طول أو جود أو شجاعة، أو اضدادها وما أشبه ذلك.
وانتصاب : مالك الملك، على أنه منادى ثانٍ أي : يا مالك الملك، ولا يوصف اللهم عند سيبويه، وأجاز أبو العباس وأبو إسحاق وصفه، فهو عندهما صفة للاهم، وهي مسألة خلافية يبحث عنها في علم النحو.
﴿تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ﴾ الظاهر أن الملك هو السلطان والغلبة، كما أن ظاهر الملك الأوّل كذلك، فيكون الأوّل عاماً، وهذان خاصين. والمعنى : إنك تعطي من شئت قسماً من الملك، وتنزع ممن شئت قسماً من الملك وقد فسر الملك هنا بالنبوّة أيضاً، ولا يتأتى هذا التفسير في : تنزع الملك، لأن الله لم يؤت النبوّة لأحد ثم نزعها منه إلاَّ أن يكون تنزع مجازاً بمعنى : تمنع النبوّة ممن تشاء، فيمكن.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤١٥
وقال أبو بكر الوراق : هو ملك النفس ومنعها من اتباع الهوى. وقيل : العافية، وقيل : القناعة. وقيل : الغلبة بالدين والطاعة. وقيل : قيام الليل. وقال الشبلي : هو الاستغناء بالمكون عن الكونين. وقال عبد العزيز بن يحيى : هو قهر إبليس كما كان يفرّ من ظل عمر، وعكسه من كان يجري الشيطان منه مجرى الدم. وقيل : ملك المعرفة بلا علة، كما أتى سحرة فرعون، ونزع من بلعام. وقال أبو عثمان : هو توفيق الإيمان.