وقال ابن عطية : خص الخير بالذكر، وهو تعالى بيده كل شيء، إذ الآية في معنى دعاء ورغبة، فكان المعنى :﴿بِيَدِكَ الْخَيْرُ﴾ فأجزل حظي منه.
وقال الراغب : لما كانت في الحمد والشكر لا للحكم، ذكر الخير إذ هو المشكور عليه.
وقال الرازي : الخير فيه الألف واللام الدالة على العموم، وتقديم : بيدك، يدل على الحصر، فدل على أن لا خير إلاَّ بيده، وأفضل الخيرات الإيمان، فوجب أن يكون بخلق الله. ولأن فاعل الأشرف أشرف، والإيمان أشرف.
﴿تُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ﴾ قال
٤٢٠
ابن عباس، ومجاهد، والحسن، وقتادة، والسدي، وابن زيد : المعنى ما ينتقص من النهار يزيد في الليل، وما ينتقص من الليل يزيد في النهار، دأباً كل فصل من السنة، قيل : حتى يصير الناقص تسع ساعات، والزائد خمس عشرة ساعة. وذكر بعض معاصرينا : أجمع أرباب علم الهيئة على أن الذي تحصل به الزيادة من الليل والنهار يأخذ كل واحد منهما من صاحبه ثلاثين درجة، فتنتهي زيادة الليل على النهار إلى أربع عشرة ساعة، وكذلك العكس.
وذكر الماوردي : أن المعنى في الولوج هنا تغطية الليل بالنهار إذا أقبل، وتغطية النهار بالليل، إذا أقبل، فصيرورة كل واحد منهما في زمان الآخر كالولوج فيه، وأورد هذا القول احتمالاً ابن عطية، فقال : ويحتمل لفظ الآية أن يدخل فيها تعاقب الليل والنهار، وكان زوال أحدهما ولوج الآخر.
﴿وَتُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَىِّ﴾ معنى الإخراج التكوين هنا، والإخراج حقيقة هو إخراج الشيء من الظرف قال ابن مسعود، وابن جبير، ومجاهد، وقتادة، وإبراهيم، والسدي، وإسماعيل بن أبي خالة إبراهيم، وعبد الرحمن بن زيد. تخرج الحيوان من النطفة وهي ميتة إذا انفصلت النطفة من الحيوان، وتخرج النطفة وهي ميتة من الرجل وهو حي، فعلى هذا يكون الموت مجازاً إذ النطفة لم يسبق لها حياة، ويكون المعنى : وتخرج الحي من ما لا تحله الحياة وتخرج ما لا تحله الحياة من الحي، والإخراج عبارة عن تغير الحال.
وقال عكرمة، والكلبي : أي الفرخ من البيضة، والبيضة من الطير، والموت أيضاً هنا مجاز والإخراج حقيقة.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤١٥
وقال أبو مالك : النخلة من النواة، والسنبلة من الحبة، والنواة من النخلة، والحبة من السنبلة، والموت والحياة في هذا مجاز.
وقال الحسن، وروى نحوه عن سامان الفارسي : تخرج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن، وهما أيضاً مجاز. وفي الحديث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال :"سبحان الله الذي يخرج الحيّ من الميت". وقد رأى امرأة صالحة مات أبوها كافراً وهي خالدة بنت الأسود بن عبد يغوث.
وقال الزجاج : يخرج النبات الغض الطري من الحب، ويخرج الحب اليابس من النبات الحيّ.
وقيل : الطيب من الخبيث والخبيث من الطيب وقال الماوردي : ويحتمل يخرج الجلد الفطن من البليد العاجز، والعكس، لأن الفطنة حياة الحس والبلادة موته. وقيل : يخرج الحكمة من قلب الفاجر لأنها لا تستقر فيه، والسقطة من لسان العارف وهذه كلها مجازات بعيدة.
والأظهر في قوله ﴿الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾ تصور اثنين وقيل : عنى بذلك شيئاً واحداً يتغير به الحال، فيكون ميتاً ثم يحيا، وحياً ثم يموت. نحو قولك : جاء من فلان أسد وقال ابن عطية : ذهب جمهور من العلماء إلى أن الحياة والموت هنا حقيقتان لا استعارة فيهما، ثم اختلفوا في المثل الذي فسروا به، وذكر قول ابن مسعود وقول عكرمة المتقدمين، ولا يمكن الحمل إذ ذاك على الحقيقة أصلاً، وكذلك في الموت، وشدّد حفص، ونافع، وحمزة، والكسائي : الميِّت، في هذه الآية. وفي الأنعام، والأعراف، ويونس، والروم، وفاطر زاد نافع تشديد الياء في :﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـاهُ﴾ وفي الأنعام و﴿الارْضُ الْمَيْتَةُ﴾ في يس و﴿لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا﴾ في الحجرات. وقرأ الباقون بتخفيف ذلك، ولا فرق بين التشديد والتخفيف في الاستعمال، كما تقول : لين وليّن وهين وهيّن. ومن زعم أن المخفف لما قد مات، والمشدّد لما قد مات ولما لم يمت فيحتاج إلى دليل.
﴿وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ تقدّم تفسير نظيره في قوله ﴿وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ * كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ فأغنى ذلك عن اعادته هنا وقال الزمخشري : ذكر قدرته الباهرة، فذكر حال الليل والنهار في المعاقبة بينهما، وحال الحي والميت في إخراج أحدهما من الآخر، وعطف عليه رزقه بغير حساب دلالة على أن من قدر على تلك الأفعال العظيمة المحيرة للأفهام، ثم قدر أن يرزق بغير حساب
٤٢١
من يشاء من عباده، فهو قادر على أن ينزع الملك من العجم ويذلهم، ويؤتيه العرب ويعزهم. انتهى. وهو حسن.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤١٥
قيل : وتضمنت هذه الآيات أنواعاً من : الفصاحة، والبلاغة، والبديع.


الصفحة التالية
Icon