وقال الزمخشري : وهذا بيان لقوله ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُا﴾ لأن نفسه، وهي ذاته المتميزة من سائر الذوات، متصفة بعلم ذاتي لا يختص بمعلوم دون معلوم، فهي متعلقة بالمعلومات كلها وبقدرة ذاتية لا تختص بمقدور دون مقدور، فهي قادرة على المقدورات كلها، فكان حقها أن تحذر وتتقي، فلا يجسر أحد على قبيح، ولا يقصر عن واجب، فإن ذلك مطلع عليه لا محالة، فلا حق به العذاب. إنتهى. وهو كلام حسن، وفيه التصريح بإثبات صفة العلم، والقدرة لله تعالى، وهو خلاف ما عليه أشياخه من المعتزلة، وموافقة لأهل السنة في إثبات الصفات.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤١٥
﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُواءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُا أَمَدَا ﴾
٤٢٥
اختلف في العامل في : يوم، فقال الزجاج : العامل فيه : ويحذركم، ورجحه. وقال أيضاً : العامل فيه : المصير. وقال مكي بن أبي طالب : العامل فيه : قدير، وقال أيضاً : فيه مضمر تقديره اذكر. وقال ابن جرير : تقديره : اتقوا، ويضعف نصبه بقوله : ويحذركم، لطول الفصل. هذا من جهة اللفظ، وأما من جهة المعنى فلأن التحذير موجود، واليوم موعود، فلا يصح له العمل فيه، ويضعف انتصابه : بالمصير، للفصل بين المصدر ومعموله، ويضعف نصبه : بقدير، لأن قدرته على كل شيء لا تختص بيوم دون يوم، بل هو تعالى متصف بالقدرة دائماً. وأما نصبه باضمار فعل، فالإضمار على خلاف الأصل.
وقال الزمخشري :﴿يَوْمَ تَجِدُ﴾ منصوب : بتود، والضمير في : بينه، ليوم القيامة، حين تجد كل نفس خيرها وشرها حاضرين تتمنى لو أن بينها وبين ذلك اليوم وهو له أمداً بعيداً. إنتهى هذا التخريأ.
والظاهر في بادىء النظر حسنه وترجيحه، إذ يظهر أنه ليس فيه شيء من مضعفات الأقوال السابقة، لكن في جواز هذه المسألة ونظائرها خلاف بين النحويين، وهي : إذا كان الفاعل ضميراً عائداً على شيء اتصل بالمعمول للفعل، نحو : غلام هند ضربت، وثوبي أخويك يلبسان، ومال زيد أخذ، فذهب الكسائي، وهشام، وجمهور البصريين : إلى جوزاز هذه المسائل. ومنها الآية على تخريج الزمخشري، لأن الفاعل : بتودّ، هو ضمير عائد على شيء اتصل بمعمول : تودّ، وهو : يوم، لأن : يوم، مضاف إلى : تجد كل نفس، والتقدير : يوم وجدان كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تودّ.
وذهب الفراء، وأبو الحسن الأخفش، وغيره من البصريين إلى أن هذه المسائل وأمثالها لا تجوز، لأن هذا المعمول فضلة، فيجوز الاستغناء عنه، وعود الضمير على ما اتصل به في هذه المسائل يخرجه عن ذلك، لأنه يلزم ذكر المعمول ليعود الضمير الفاعل على ما اتصل به، ولهذه العلة امتنع : زيداً ضرب، وزيداً ظنّ قائماً. والصحيح جواز ذلك قال الشاعر :
٤٢٦
أجل المرء يستحث ولا يدري إذا يبتغي حصول الأماني
أي : المرء في وقت ابتغائه حصول الأماني يستحث أجله ولا يشعر.
و : تجد، الظاهر أنها متعدّية إلى واحد وهو : ما عملت، فيكون بمعنى نصيب، ويكون : محضراً، منصوباً على الحال. وقيل : تجد، هنا بمعنى : تعلم، فتتعدّى إلى اثنين، وينتصب : محضراً على أنه مفعول ثان لها، وما، في : ما عملت، موصولة، والعائد عليها من الصلة محذوف، ويجوز أن تكون مصدرية أي : عملها، ويراد به إذ ذاك اسم المفعول، أي : معمولها، فقوله : ما عملت، هو على حذف مضاف أي : جزاء ما عملت وثوابه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤١٥
قيل : ومعنى : محضراً على هذا موفراً غير مبخوس. وقيل : ترى ما عملت مكتوباً في الصحف محضراً إليها تبشيراً لها، ليكون الثواب بعد مشاهدة العمل.
وقرأ الجمهور : محضراً، بفتح الضاد، اسم مفعول. وقرأ عبيد بن عمير : محضرا بكسر الضاد، أي محضراً الجنة أو محضراً مسرعاً به إلى الجنة من قولهم : أحضر الفرس، إذا جرى وأسرع.