والباء في : بقبول، قيل : زائدة، ويكون إذ ذاك ينتصب انتصاب المصدر على غير الصدر، وقيل : ليست بزائدة.
والقبول اسم لما يقبل به الشيء : كالسعوط واللدود لما يسعط به ويلد، وهو اختصاصه لها باقامتها مقام الذكر في النذر، أو : مصدر على تقدير حذف مضاف أي : بذي قبول حسن، أي : بأمر ذي قبول حسن، وهو الاختصاص.
﴿وَأَنابَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾ عبارة عن حسن النشأة والجودة في خلق وخلق، فأنشأها على يالطاعة والعبادة. قال ابن عباس : لما بلغت تسع سنين صامت من النهار وقامت الليل حتى أربت على الأحبار. وقيل : لم تجر عليها خطيئة. قال قتادة : حُدِّثنا أنها كانت لا تصيب الذنوب كما يصيب بنو آدم. وقيل : معنى ﴿وَأَنابَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾ أي : جعل ثمرتها مثل عيسى.
وانتصب : نباتاً، على أنه مصدر على غير الصدر، أو مصدر لفعل محذوف أي : فنبتت نباتاً حسناً، ويقال : القبول الحسن الاستقامة على الطاعة وإيثار رضا الله في جميع الأوقات.
﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ﴾ قال قتادة : ضمها إليه. وقال أبو عبيدة : ضمن
٤٤١
القيام بها، ومن القبول الحسن والنبات الحسن أن جعل تعالى كافلها والقيم بأمرها وحفظها نبياً. أوحى الله إلى داود عليه السلام : إذا رأيت لي طالباً فكن له خادماً.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٣٢
وقرأ الكوفيون : وكفلها، بتشديد الفاء، وباقي السبعة بتخفيفها. وأبيّ : وأكفلها، ومجاهد : فتقبلها بسكون اللام ربها، بالنصب على النداء، و: أبنتها، بكسر الباء وسكون التاء، و: كفلها، بكسر الفاء مشدّدة وسكون اللام على الدعاء من أم مريم لمريم. وقرأ عبد الله المزني : وكفلها، بكر الفاء وهي لغة يقال : كفل يكفِل وكفل يكفَل، كعلم يعلم.
وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص : زكريا، مقصوراً وباقي السبعة ممدوداً. وتقدم ذكر اللغات فيه.
روي أن حنة حين ولدت مريم لفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد فوضعتها عند الأحبار أبناء هارون، وهم في بيت المقدس كالحجبة في الكعبة، فقالت لهم : دونكم هذه النذيرة فتنافسوا فيها لأنها كانت بنت إمامهم، وصاحب قربانهم، وكانت بنو ماثان رؤوس بني إسرائيل وأحبارهم وملوكهم، فقال لهم زكريا : أنا أحق بها، عندي خالتها. فقالوا : لا، حتى نقترع عليها. فانطلقوا، وكانوا سبعة وعشرين، إلى نهر. قيل : هو نهر الأردن وهو قول الجمهور. وقيل : في عين ماء كانت هناك، فألقوا فيه أقلامهم، فارتفع قلم زكريا ورسبت أقلامهم فتكفلها. قيل : واسترضع لها. وقال الحسن : لم تلتقم ثدياً قط. وقال عكرمة : ألقوا أقلامهم فجرى قلم زكريا عكس جرية الماء. وقيل : عامت مع الماء معروضة، وبقي قلم زكريا واقفاً كأنما ركز في طين، قال ابن إسحاق : إن زكريا كان تزوّج خالتها لأنه وعمران كانا سلفين على أختين، ولدت امرأة زكريا يحيى، وولدت امرأة عمران مريم. وقال السدّي، وغيره : كان زكريا تزوّج ابنة أخرى لعمران. ويعضد هذا القول قول صلى الله عليه وسلّم في يحيى وعيسى : ابنا الخالة. وقيل : إنما كفلها لأن أمّها هلكت، وكان أبوها قد هلك وهي في بطن أمّها. وقيل : كان زكريا ابن عمها وكانت أختها تحته. وقال ابن إسحاق : ترعرعت وأصاب بني إسرائيل مجاعة، فقال لهم زكريا : أني قد عجزت عن إنفاق مريم، فاقترعوا على من يكفلها، ففعلوا، فخرج إليهم رجل يقال له جريح، فجعل ينفق عليها، وهذا استهام غير الأول، هذا المراد منه دفعها للإنفاق عليها، والأول المراد منه : أخذها، فعلى هذا القول يكون زكريا قد كفلها من لدن الطفولة دون استهام، والذي عليه الناس أن زكريا إنما كفلها بالاستهام، ولم يدل القرآن على أن غير زكريا كفلها، وكان زكريا أولى بكفالتها، لأنه من أقربائها من جهة أبيها، ولأن خالتها أو أختها تحته، على اختلاف القولين، ولأنه كان نبياً، فهو أولى بها لعصمته.
وزكريا هو ابن أذن بن مسلم من ولد سليمان بن داود عليهم السلام وذكر النقيب أبو البركات الجواني النسابة : أن يحيى بن زكريا، واليسع، والياس، والعزير من ولد هارون أخي موسى، فلا يكون على هذا زكريا من ولد سليمان، ولا يكون ابن عم مريم، لأن مريم من ذرية سليمان عليه السلام، وسليمان من يهوذا بن يعقوب، وموسى وهارون بن لاوي بن يعقوب.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٣٢
قال ابن إسحاق : ضمها إلى خالتها أم يحيى حتى إذا شبت وبلغت مبلغ النساء بنى لها محراباً في المسجد، وجعل بابه في وسطه لا يرقى إليه إلاَّ بسلم، مثل باب الكعبة، ولا يصعد إليها غيره. وقيل : كان يغلق عليها سبعة أبواب إذا خرج قال مقاتل : كان يغلق عليها الباب ومعه المفتاح لا يأمن عليه أحداً، فإذا حاضت أخرجها إلى منزلة تكون مع خالتها أم يحيى أو أختها، فإذا طهرت ردها إلى بيت المقدس وقيل : كانت مطهرة من الحيض.


الصفحة التالية
Icon