وهذه الجملة في موضع نصب على الحال من ضمير المفعول، أو من الملائكة، و: يصلي، يحتمل أن يكون صفة : لقائم، ويحتمل أن يكون حالاً من الضمير المستكن في : قائم، أو : من ضمير المفعول، على مذهب من جوّز حالين من ذي حال واحد، ويحتمل أن يكون خبراً ثانياً : لهو، على مذهب من يجيز تعداد الأخبار لمبتدأ واحد، وإن لم تكن في معنى خبر واحد.
ويتعلق : في المحراب، بقوله : يصلي، ولا يجوز أن يتعلق : بقائم، في وجه من احتمالات إعراب : يصلي، إلا في وجه واحد، وهو أن يكون : يصلي، حالاً من الضمير الذي استكن في : قائم، فيجوز. لأنه إذ ذاك يتحد العامل فيه وفي : يصلى، وهو : قائم، لأن العامل إذ ذاك في الحال هو : قائم، إذ هو العامل في ذي الحال، وبه يتعلق المجرور.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٣٢
وفي قوله :﴿قَآئِمٌ يُصَلِّى فِى الْمِحْرَابِ﴾ قالوا : دلالة على جواز قيام الإمام في محرابه، وقد كرهه أبو حنيفة، وقال : كان ذلك شرعاً لمن قبلنا.
ورقق وَرش راء : المحراب، وأمال الراء ابن ذكوان إذا كانت : المحراب، مجروراً ونسب ذلك أبو علي إلى ابن عامر. ولم يقيد بالجر.
﴿أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى ﴾ قرأ ابن عامر، وحمزة : إن الله، بكسر الهمزة. فعند البصريين الكسر على إضمار القبول، أي : وقالت. وعند الكوفيين لا إضمار، لأن غير القول مما هو في معناه : كالنداء والدعاء، يجري مجرى القول في الحكاية، فكسرت بنادته، لأن معناه قالت له.
وقرأ الباقون بفتح الهمزة، وهو معمول لباء محذوفة في الأصل، أي بتبشير :
وحين حذفت فالموضع نصب بالفعل أو جر بالباء المحذوفة، قولان قد تقدما في غير ما موضع من هذا الكتاب.
وقرأ عبد الله : يا زكريا إن الله. فقوله : يا زكرياء، هو معمول النداء. فهو في موضع نصب، ولا يجوز فتح : إن، على هذه القراءة، لأن الفعل قد استوفى مفعوليه، وهما : الضمير والمنادى. وتبليغ البشارة على لسان الرسول إلى المرسل إليه ليست بشارة من الرسول، بل من المرسل. ألا ترى إضافة ذلك إليه في قوله : يبشرك ؟
٤٤٦
وقد قال في سورة مريم :﴿رَضِيًّا * يَـازَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ﴾ فأسند ذلك إليه تعالى. وقرأ حمزة، والكسائي : يبشرك، في الموضعين في قصة زكريا وقصة مريم، وفي الإسراء، وفي الكهف، وفي الشورى، من : بشر، مخففاً. وافقهما ابن كثير، وأبو عمر، وفي الشورى زاد حمزة في الحجر : ألا فبم تبشرون، ومريم وقرأ الباقون : يبشر، من بشر المضعف العين وقرأ عبد الله يبشر في جميع القرآن من أبشر، وهي لغىً ثلاث ذكرها غير واحد من اللغويين وقال الشاعر :
بَشَرْتُ عِيالي إِذ رأيتُ صحيفةأتتك من الحجاج يتُلى كتابها
وقال الآخر :
يا بشر حق لوجهك التَّبشيرهلا غضبت لنا وأنت أمير
بيحيى، متعلق بقوله : نبشرك، والمعنى : بولادة يحيى منك ومن امرأتك، فإن كان أعجمياً فمنع صرفه للعلمية والعجمة، وإن كان عربياً فللعلمية ووزن الفعل، كيعمر. وقد ذكرنا هذا.
وهذا الذي عليه كثير من المفسرين لاحظوا فيه معنى الاشتقاق من الحياة.
قال قتادة : سماه الله يحيى لأنه أحياه بالإيمان. وقال الحسن بن المفضل : حيي بالعصمة والطاعة وقال أبو القاسم بن حبيب : سمي يحيى لأنه استشهد، والشهداء أحياء روي في الحديث :"من هوان الدنيا على الله أن يحيى بن زكريا قتلته امرأة" وقال مقاتل : سمي يحيى لأنه أحياه بين شيخ وعجوز وقال الزجاج : حيي بالعلم والحكمة التي أوتيها وقال ابن عباس : إن الله أحيا به عقر أمّه وقيل : معناه يموت فسمي يحيى تفاؤلاً، كالمفازة والسليم وقيل : لأن الله أحيا به الناس بالهدى.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٣٢
﴿مُصَدِّقَا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ﴾ الجمهور على أن الكلمة هو عيسى، وسيأتي لم سمي كلمة، قاله ابن عباس، ومجاهد، والحسن، وقتادة، والسدّي وغيرهم. قال الربيع، وغيره : كان يحيى أوّل من صدق بعيسى وشهد أنه كلمة من الله، وكان يحيى أكبر من عيسى بستة أشهر، قاله الأكثرون وقيل : بثلاث سنين، وقتل قبل رفع عيسى، وكانت أمّ يحيى تقول لمريم : إني لأجد الذي في بطني يتحرك، وفي رواية : يسجد، وفي رواية : يومي برأسه لما في بطنك، فذلك تصديقه، وهو أول التصديق.
وقال أبو عبيدة، وغيره ﴿بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ﴾ أي : بكتاب من الله التوراة والإنجيل وغيرهما، أوقع المفرد موقع الجمع، فالكلمة اسم جنس، وقد سمت العرب القصيدة كلمة روي أن الحويدرة ذكر لحسان، فقال : لعن الله كلمته، أي قصيدته. وفي الحديث :"أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد :
ألاكل شيء ما خلا الله باطلوكل نعيم لا محالة زائل"
وقيل معنى :﴿بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ﴾ هنا أي : بوعد من الله، وقرأ أبو السمال العدوي : بكلمة، بكسر الكاف وسكون اللام في جميع القرآن، وهي لغة فصيحة مثل : كتف وكتف، ووجهه أنه أتبع فاء الكلمة لعينها، فيقل اجتماع كسرتين، فسكن العين. ومنهم من يسكنها مع فتح الفاء استثقالاً للكسرة في العين.