وانتصب : مصدّقاً، على الحال قال ابن عطية : وهي حال مؤكدة بحسب حال هؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
﴿وَسَيِّدًا﴾ قال ابن عباس : السيد الكريم وقال قتادة : الحليم، ومنه قول الشاعر :
سيد لا تحل حبوتهبوادر الجاهلين إن جهلوا
وقال عكرمة : من لا يغلبه الغضب وقال الضحاك : الحسن الخلق وقال سالم : التقي وقال ابن زيد : الشريف وقال ابن المسيب : الفقيه العالم وقال أحمد بن عاصم : الراضي بقضاء الله وقال الخليل : المطاع الفائق أقرانه وقال أبو بكر الورّاق : المتوكل وقال الترمذي : العظيم الهمة وقال الثوري : السيد مَن لا يحسد من قولهم : الحسود لا يسود وقال أبو إسحاق : السيد الذي يفوق في الخير قومه.
٤٤٧
وقال بعض أهل اللغة : السيد المالك الذي تجب طاعته. ولهذا قيل للزوج : سيد وقيل : سيد الغلام، وقال سلمة عن الفراء : السيد المالك، والسيد الرئيس، والسيد الحكيم، والسيد السخي.
وجاء في الحديث :"السيد من أعطى مالاً ورزق سماحاً، فأدنى الفقراء، وقلت شكايته في الناس". وفي معناه : من بذل معروفه وكف أذاه وقال في الحديث بني سلمة وقد سألهم من سيدكم فقالوا الجدّ بن قيس على بخله فقال عليه السلام :"وأي داء أدوى من البخل ؟ سيدكم عمرو بن الجموح". وسمي أيضاً سعد بن معاذ سيداً في قوله :"قوموا إلى سيدكم". أي رئيسكم والمطاع فيكم. وسمي الحسن بن علي : سيداً. في قوله :"إن ابني هذا سيد، ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين".
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٣٢
وقال الزمخشري : السيد الذي يسود قومه أي يفوقها في الشرف. وكان يحيى قائماً لقومه، قائماً للناس كلهم في أنه لم يرتكب سيئة قط، ويا لها من سيادة ؟ انتهى كلامه.
وقال ابن عطية ما ملخصه : خصه الله بذكر السؤدد، وهو الإعتمال في رضا الناس على أشرف الوجوه دون أن يوقع في باطل، وتفضيله : بذل الندى وهو الكرم، وكف الأذى وهي العفة في الفرج واليد واللسان، واحتمال العظائم وهنا هو الحلم من تحمل الغرامات وجبر الكسير والإنقاذ من الهلكات. وقد يوجد من الثقات العلماء من لا يبرز في هذه الخصال، وقد يوجد من يبرز فيها، فيسمى سيداً وإن قصر في مندوب، ومكافحة في حق وقلة مبالاة باللائمة.
وقال ابن عمر : ما رأيت أسود من معاوية ؟ قيل له : وأبو بكر وعمر ؟ قال : هما خير منه، ومعاوية أسود منهما انتهى كلامه.
وهذه الأقوال التي ذكرت في تفسير السيد كلها يصلح أن يكون تفسيراً في وصف يحيى عليه السلام، وأحق الناس بصفات الكمال هم النبيون.
وفي قوله : وسيداً، دلالة على إطلاق هذا الاسم على من فيه سيادة، وهو من أوصاف المدح. ولا يقال ذلك للظالم والمنافق والكافر.
وورد النهي :"لا تقولوا للمنافق سيداً"، وما جاء من قوله ﴿أَطَعْنَا سَادَتَنَا﴾ فعلى ما في اعتقادهم وزعمهم.
قيل : وما جاء في حديث وفد بني عامر من قولهم لرسول الله صلى الله عليه وسلّم : أنت سيدنا وذو الطول علينا، فقال صلى الله عليه وسلّم :"السيد هو الله، تكلموا بكلامكم"، فمحمول على أنه رآهم متكلفين لذلك، أو كان ذلك قبل أن يعلم أنه سيد البشر، وقد سمى هو الحسن بن علي سيداً، وكذلك سعد بن معاذ، وعمرو بن الجموح.
﴿وَحَصُورًا﴾ هو الذي لا يأتي النساء مع القدرة على ذلك، قاله ابن مسعود، وابن عباس، وابن جبير، وقتادة، وعطاء، وأبو الشعثاء، والحسن، والسدي، وابن زيد، قال الشاعر :
وحصوراً لا يريد نكاحالا ولا يبتغي النساء الصِّباحا
وقد روي أنه تزوج مع ذلك ليكون أغض لبصره وقيل : الحاضر نفسه عن الشهوات وقيل : عن معاصي الله وقيل : الحصور الهيوب وقال ابن مسعود أيضاً، وابن عباس أيضاً، والضحاك، والمسيب : هو العنين الذي لا ذكر له يتأتى به النكاح ولا ينزل.
وإيراد الحصور وصفاً في معرض الثناء الجميل إنما يكون عن الفعل المكتسب دون الجبلة في الغالب، والذي يقتضيه مقام يحيى عليه السلام أنه كان يمنع نفسه من شهوات الدنيا من النساء وغيرهن، ولعل ترك النساء زهادة فيهن كان شرعهم إذ ذاك.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٣٢
قال مجاهد : كان طعام يحيي العشب، وكان يبكي من خشية الله حتى لو كان القار على عينيه لخرقه، وكان الدمع اتخذ مجرىً في وجهه.
قيل : ومن هذا حاله فهو في شغل عن النساء وغيرهن من شهوات الدنيا.
وقيل : الحصور الذي لا يدخل مع القوم في الميسر. قال الأخطل :
وشارب مربح بالكأس نادمنيلا بالحصور ولا فيها بسآر
فاستعير لمن لا يدخل في اللعب واللهو.
وقد روي أنه : مر وهو طفل بصبيان فدعوه إلى اللعب، فقال :
٤٤٨
ما للعب خلقت. والحصور والحصِر كما تم السر قال جرير :
ولقد تساقطني الوشاة فصادفواحَصِراً بسرك يا أميم ضنينا