والكلمة من الله هو عيسى عليه السلام، سمي كلمة لصدوره بكلمة : كن، بلا أب. قاله قتادة. وقيل : لتسميته المسيح، وهو كلمة من الله أي : من كلام الله. وقيل : لوعد الله به في كتابه التوراة والكتب السابقة. وفي التوراة : أتانا الله من سيناء، وأشرق من ساعر، واستعلن من جبال فاران. وساعر هو الموضع الذي بعث منه المسيح. وقيل : لأن الله يهدي بكلمته. وقيل : لأنه جاء على وفق كلمة جبريل، وهو :﴿إِنَّمَآ أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لاهَبَ لَكِ غُلَـامًا زَكِيًّا﴾ فجاء على الصفة التي وصف. وقيل : سماه الله بذلك كما سمى من شاء من سائر خلقه بما شاء من الأسماء، فيكون على هذا علماً موضوعاً له لم تلحظ فيه جهة مناسبة. وقيل : الكلمة هنا لا يراد بها عيسى، بل الكلمة بشارة الملائكة لمريم بعيسى. وقيل : بشارة النبي لها.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٥٤
﴿اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ الضمير في اسمه، عائد على : الكلمة، على معنى : نبشرك بمكون منه، أو بموجود من الله. وسمي : المسيح، لأنه مسح بالبركة، قاله الحسن، وسعيد، وشمر. أو : بالدهن الذي يمسح به الأنبياء، خرج من بطن أمّه ممسوحاً به، وهو دهن طيب الرائحة إذا مسح به شخص علم أنه نبي. أو : بالتطهير من الذنوب، أو : بمسح جبريل له بجناحه أو : لمسح رجليه فليس فيهما خمص، والأخمص ما تجافى عن الأرض من باطن الرجل، وكان عيسى أمسح القدم لا أخمص له. قال الشاعر :
٤٥٩
بات يقاسيها غلام كالزلمخدلج الساقين ممسوح القدم
أو : لمسح الجمال إياه وهو ظهوره عليه، كما قال الشاعر :
على وجه مي مسحة من ملاحة
أو : لمسحة من الأقذار التي تنال المولودين، لأن أمه كانت لا تحيض ولم تدنس بدم نفاس. أقوال سبعة، ويكون : فعيل، فيها بمعنى مفعول، والألف واللام في : المسيح، للغلبة مثلها في : الدبران والعيوق. وقال ابن عباس : سمي بذلك لأنه كان لا يمسح بيده ذا عاهة إبلا بريء، فعلى هذا يكون : فعيل، مبنياً للمبالغة : كعليم، ويكون من الأمثلة التي حولت من فاعل إلى فعيل للمبالغة. وقيل : من المساحة، وكان يجول في الأرض فكأنه كان يمسحها. وقيل : هو مفعل من ساح يسيح من السياحة. وقال مجاهد، والنخعي : المسيح : الصديق. وقال ابن عباس، وابن جبير : المسيح : الملك، سمي بذلك لأنه ملك إحياء الموتى وغير ذلك من الآيات. وقال أبو عبيد : أصله بالعبرانية مشيحاً، فغير، فعلى هذا يكون اسماً مرتجلاً ليس هو مشتقاً من المسح ولا من السياحة ﴿عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ﴾ الأبناء ينسبون إلى الآباء، ونسب إليها. وإن كان الخطاب لها إعلاماً أنه يولد من غير أب فلا ينسب إلا إليها.
والظاهر أن اسمه : المسيح، فيكون : اسمه المسيح، مبتدأ وخبراً، و: عيسى، جوزوا فيه أن يكون خبراً بعد خبر، وأن يكون بدلاً، وأن يكون عطف بيان. ومنع بعض النحويين أن يكون خبراً بعد خبر، وقال : كان يلزم أن يكون أسماه على المعنى، أو أسماها على لفظ الكلمة، ويجوز أن يكون : عيسى، خبراً لمبتدأ محذوف، أي : هو عيسى ابن مريم. قال ابن عطية : ويدعو إلى هذا كون قوله : ابن مريم، صفة : لعيسى، إذ قد أجمع الناس على كتبه دون الألف. وأما على البدل، أو عطف البيان، فلا يجوز أن يكون : ابن مريم، صفة : لعيسى، لأن الاسم هنا لم يرد به الشخص. هذه النزعة لأبي علي. وفي صدر الكلام نظر. إنتهى كلامه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٥٤
وقال الزمخشري فإن قلت لِمَ قيل :﴿اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ وهذه ثلاثة أشياء الاسم منها : عيسى، وأما : المسيح و: الأبن، فلقب وصفة ؟.
قلت : الاسم للمسمى علامة يعرف بها، ويتميز من غيره، فكأنه قيل : الذي يعرف به ويتميز ممن سواه مجموع هذه الثلاثة. إنتهى كلامه. ويظهر من كلامه أن اسمه مجموع هذه الثلاثة، فتكون الثلاثة أخباراً عن قوله : اسمه، ويكون من باب : هذا حلو حامض، و: هذا أعسر يسر. فلا يكون أحدها على هذا مستقلاً بالخبرية. ونظيره في كون الشيئين أو الأشياء في حكم شيء واحد قول الشاعر :
كيف أصبحت كيف أمسيت ممايزرع الود في فؤاد الكريم ؟
أي : مجموع هذا مما يزرع الود، فلما جاز في المبتدأ أن يتعدد دون حرف عطف إذا كان المعنى على المجموع، كذلك يجوز في الخبر. وأجاز أبو البقاء أن يكون : ابن مريم، خبر مبتدأ محذوف أي : هو ابن مريم، ولا يجوز أن يكون بدلاً مما قبله، ولا صفة لأن : ابن مريم، ليس باسم. ألا ترى أنك لا تقول : اسم هذا الرجل ابن عمرو إلاَّ إذا كان علماً عليه ؟ إنتهى.
قال بعضهم : ومن قال إن المسيح صفة لعيسى، فيكون في الكلام تقديم وتأخير تقديره : اسمه عيسى المسيح، لأن الصفة تابعة لموصوفها. إنتهى. ولا يصح أن يكون المسيح في هذا التركيب صفة، لأن المخبر به على هذا اللفظ، والمسيح من صفة المدلول لا من صفة الدال، إذ لفظ عيسى ليس المسيح.